كلما يتطور الإنسان و يتفوق في المجالات العلمية يبتعد شيئا فشيئا عن القيم الإنسانية وإذا لم يهتم بالمبادئ الانسانية، لذلك ربما لا نبالغ إذا نقول اننا نعيش في مجتمع أصبح لا يبالي بمشاعر الآخرين، هنا يتعدى الشخص على حقوق الآخرين ويمشي دون رحمة أو إظهار أية كلمة تشعر الطرف المقابل بندمه وأسفه على فعله وهناك يضرب السائق العابر دون إهتمام و يتركه طريحاً في الشارع، تُهتك الحرمات في كل لحظة وتموت القيم في كل ثانية دون إعتذار ...
الإعتذار هو النبض الصادق الذي يحول لحظات الغفلة والأنانية إلى المحبة، الإعتذار لغة راقية تظهر عظمة الروح التي تتقنها بلطافة، لذلك هناك دعاء لإمامنا زين العابدين في الإعتذار من تبعات العباد ومن التقصير في حقوقهم وفي فكاك رقبته من النار حيث يقول صلوات الله عليه:
(اللّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ مَظْلوُمٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ انَصُرْهُ وَمِنْ مَعْروفٍ أُسْدِيَ إِلَيَّ فَلَمْ أَشْكُرْهُ، وَمِنْ مُسيءٍ اعْتَذَرَ إِلَيَّ فَلَمْ أَعْذِرْهُ، وَمِنْ ذي فاقَةٍ سَألَنِي فَلَمْ أوُثِرْهُ، وَمِنْ حَقِّ ذي حَقٍّ لَزِمَنِي لِمُؤْمِنٍ فَلَمْ أُوَفِّرْهُ وَمِنْ عَيْبِ مُؤمِنٍ ظَهَرَ لي فَلَمْ أَسْتُرْهُ، وَمِنْ كُلِّ إِثْمٍ عَرَضَ لي فَلَمْ أَهْجُرْهُ، أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ يا إِلهِي مِنْهُنَّ وَمِنْ نَظَائِرِهِنَّ اَعْتِذارَ نَدامَةٍ يَكُونُ واعِظاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ أَشْباهِهِنَّ).
يتضمن هذا الدعاء بيان المسؤوليات الاجتماعية التي يهملها الإنسان قصورا او تقصيرا حيث يحتم الواجب الإسلامي القيام بها، حيث قد فات أوانه القيام بالمسؤولية فلم يبق أمام الإنسان سوى التوبة والاعتذار الى الله سبحانه منها ومن تبعاتها التي لا تدخل تحت عدّو حصرا، وقد اشار في هذا الدعاء إلى موارد منها كانت بشهود ومرأى من الداعي وأما ما لم يكن له علم بها أو خرجت عن الطاقة فالعذر فيها معها والموارد التي لم يقم الانسان فيها بالواجب، هي:
١-نصر المظلوم.
٢-الشكر على المعروف والإسداء هو الإعطاء.
٣-قبول عذر المسيء.
٤-الإيثار للسائل ذي الفاقة، والإيثار هو تقديم الغير على النفس.
٥-توقير ذي الحق اللازم.
٦-ستر عيب المؤمن.
٧-هجر الإثم المعارض.
فإن القصور والتقصير في هذه الموارد واشباهها يفتقر إلى الإعتذار إلى الله حيث فات وقت العمل ولا ينفع الان سوى الندامة الصادقة الواعظة التي تقي الانسان من ان يقع في اشباه ذلك في حياته المستقبلية.
كما نعرف ونعتقد الامام معصوم ولا يصدر منه أي خطأ ولكنه يرسخ ثقافة الإعتذار في بنيان المجتمع بل ويدعو الناس إلى الإعتذار من الله سبحانه وتعالى إذا صدر هكذا أفعال أمامهم ولم ينتبهوا لها مابال من يفعل هذه الأفعال بقصد ويتثاقل في الإعتذار؟!.
الندم على الزلات
(فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاجْعَلْ نَدامَتِي عَلى ما وَقَعْتُ فيهِ مِنَ الزَّلاّتِ، وَعَزْمي عَلى تَرْكِ ما يَعْرِضُ لِي مِنَ السَّيِّئَاتِ تَوْبَةً تُوجِبُ ليَ مَحَبَّتَكَ، يَا مُحِبَّ التَّوّابِينَ).
وهذه الندامة الصادقة على ماوقع فيه الانسان من الزلات المشار إليها لا تؤثر إلا بتوفيق من الله تعالى بأن يكون العزم جازماً على ترك السيئات كافة في مستقبل الإنسان وأن يجعل الله سبحانه هذه الندامة والعزم توبة مقبولة لما سبق والتوبة المقبولة هي التي توجب محبة الله سبحانه وقد ختم الدعاء بالاشارة إلى السبب المقتضي لقبول الإعتذار وهو قوله تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين). فإن حب التوبة يقتضي قبولها ممن أتى بها فإذا كانت الندامة توبة فقد تحقق الموضوع لأنها توجب محبة الله *1.
يعتذر الامام المعصوم من فعل ربما وقع أمامه ولم ينتبه له، ألسنا أولى بأن نتعلم ثقافة الإعتذار من ربنا ولمن أسأنا لهم ونرسم البسمة على شفاه من حولنا، كلنا مثقوبون من الداخل ونخطأ ولكن الخطأ الأكبر أن نتمادى ولا نبالي بمن حولنا وبما يحدث، فلنرجع الألفة والمحبة إلى المجتمع عن طريق ثقافة الإعتذار..
اضافةتعليق
التعليقات