غالبًا ما تكون فترة الشيخوخة قاتمة، فواحد من خمسة سيصاب بشيء من الخرف، وأربعة من أصل خمسة سيعانون من مشاكل في السمع، ومن بين اللذين سيصلون إلى عمر التسعين، سيكون لدى الغالبية مشكلة صحية واحدة على الأقل وستسبب لهم الإعاقة.
في الأوقات السابقة، اعتاد هؤلاء الناس على قضاء مرحلة عيشهم النهائية منعزلين في منازلهم بعيدًا عن أقاربهم، ومع تطور الأمور قد يقضون مراحل شيخوختهم في دار الرعاية أو التمريض، لكن معظم كبار السن لا يريدون العيش في مؤسسات باهظة الثمن لفترات طويلة، ومن هنا أتت عبارة “الشيخوخة في المكان”.
تبشر التكنولوجيا بالخير وذلك لجعل حياة كبار السن أفضل، وتمكنهم من الاحتفاظ باستقلاليتهم والعيش حياة كاملة لفترة أطول، فتقدم التكنولوجيا يد المساعدة لهم ولأولئك الذين يهتمون بهم وتوفر لهم راحة البال.
أن تتعلمها متأخراً خير من ألا تتعلمها أبداً
كما فرضت التكنولوجيا معطياتها على صغار السن وبرعوا فيها، فرضتها أيضاً على كبار السن ليتعاملوا معها ويفكوا شيفراتها ويلحقوا بالركب رغم أنف العمر. فهي أسهمت في تطور الحياة وسرعة إنجاز الأعمال، وسرعان ما أصبحنا نعتمد عليها في كل جوانب حياتنا بعد أن وفرت الجهد والوقت والمال.
كشفت دراسة حديثة أعدتها إحدى الشركات الإيطالية حول إستخدام الإنترنيت بين الكبار (فوق 74 عاماً)، أن "كبار السن أصبحوا ينافسون الشباب في مهارات الإنترنت، وفي تمضية وقت طويل أمام الكمبيوتر، وأن إستخداماته أصبحت أكثر شعبية بين جميع الفئات العمرية".
كما وجدت الدراسة أن "مستخدمي الإنترنت الذين تزيد أعمارهم على 34 عاماً فما فوق، أكثر إنخراطاً في أنشطة عدة عبر الإنترنت من خلال زيارة المواقع الحكومية، والحصول على المعلومات المالية عبر الإنترنت". وأوضحت أن "أسرع معدل نمو في عدد مستخدمي الإنترنت، كان لمن هم فوق سن 74 عاماً، وأن إستخدام مواقع الشبكات الإجتماعية تضاعف أربع مرات منذ عام 2008، وأن معظم الباحثين عن المعلومات الصحية على الإنترنت هم من كبار السن".
علاقة شبه معدومة
ثمّة تجارب خاضها كبار السن مع التكنولوجيا، فمنهم من سعى بنفسه إلى التعلم من خلال الدورات وإكتساب المهارات، ومنهم من طلب المساعدة من أبنائه، وهذا ما حدث مع الدكتور أحمد الكبيسي (76 عاماً)، الذي يقول: "إنّ علاقتي بالتكنولوجيا شبه معدومة، حيث إني لا أقوم بتصفح الإنترنت والدخول إلى المواقع الإجتماعية إلا بمساعدة أبنائي، فقد تعودت أنا وجيلي على أدواتنا القديمة والتقليدية في الكتابة، وكذلك في البحث من خلال الكتب". يضيف د. الكبيسي: "إلا أنّ هذا لا يعني أن يتخلى الإنسان عن المعرفة في الكبر، فلابدّ من المحاولة والسعي إلى طلب العلم، لأن ديننا يأمرنا بطلب العلم من المهد إلى اللحد، وحتى نهاية العمر". ويقول: "إنّ الوسائط السريعة سهلت الحياة، ووفرت الجهد والوقت. فقديماً كان علماؤنا يتجشمون عناء السفر من أجل توثيق صحة حديث أو معلومة، ويبذلون من الجهد والوقت والمعاناة الكثير. أمّا الآن ففي إمكان الباحث أن يحصل على أي معلومة ولو كانت في أقصى الدنيا من خلال محرك البحث".
التعليم في الكبر
لقد محت التكنولوجيا فكرة أنّ التعليم في الكبر كالنقش على الماء" بعد أن تعلمها الكثيرون من كبار السن، يقول أستاذ اللغة العربية في "جامعة العين للعلوم والتكنولوجيا" الدكتور إياد عبد المجيد، لافتاً إلى أن تعلم التكنولوجيا بالنسبة إليه "لا يدخل ضمن دائرة الإضطرار، إنما هو رغبة ومتعة وفائدة". ويؤمن د. عبد المجيد "بأننا مخلوقون لزمان غير زمان آبائنا، وما دمنا نعيش عصر التحولات الكبيرة والإنفجار المعرفي الهائل، ونطلع عن كل جديد في مجال التكنولوجيا، لاسيما البرمجيات والإنترنت، فإن ذلك يحتم علينا أن نتعلمها".
ويضيف: "التكنولوجيا تشكل عصب الحياة على مختلف الصعد بأقل زمن وكلفة وجهد، وهي جعلت العالم قرية صغيرة، وكسرت كل حواجز المعرفة وصارت المعلومة متاحة للجميع، ولا أعتقد أن ساحة العلم يتهيبها المثقف والأستاذ والطالب، ولابدّ أن ننهل من الجديد بما يطور وينمي من شخصياتنا".
ويتحدث الدكتور إياد عبد المجيد عن تجربته مع التكنولوجيا قائلاً: "بدأت إستخدامها منذ عام 2002 عندما طلب منا أن نوظفها في عملنا الأكاديمي وبحوثنا، فصارت القناة المباشرة في تلقي المعلومة أو عرضها. فنحن اليوم كأساتذة لا نستغني في التعليم عن السبورة والقلم ولوحات العرض ومعامل اللغات، ولكن أضفنا إليها الـ"باور بوينت" والـ"داتا شو" وسعينا إلى توفير الإستخدامات الجيِّدة لما تتطلبه العملية التربوية".
ويوضح أنّه يتواصل مع الطلبة من خلال موقع خاص به لحل المشكلات البحثية أو المتعلقة بمسافات يقوم بتدريسها، حيث يتلقى المخاطبات والمشاركات عن طريق الحاسوب، ويطلع على تجارب الآخرين في الجامعات المختلفة. أمّا عن الـ"فيس بوك" و"تويتر"، فيقول "إنهما واجهتي اليومية، وصفحتي المهمة التي أتابع فيها المعلومات والإصدارات وأخبار الأصدقاء والعالم"، مؤكداً "أنّ التعامل مع التكنولوجيا خيار طوعي بالنسبة إليَّ، ولا أريد أن أكون خارج الركب". ويضيف: "نعم، أنا أسأل ابني وابنتي وأصدقائي، والتحقت بالدورات التعليمية للبرامج المختلفة (ICDL)، كما أني اليوم أشارك حفيدي في لعبه السمعية والمرئية المختلفة التي يتقنها ويجيدها بمهارة وينتصر عليَّ، فأكون مسروراً مرّتين، مرّة بانتصاره وإتقانه اللعبة، وأخرى باكتشاف أخطائي التي يعلمني إياها بعفويته وبراءته".
احصائيات
من خلال إحصائيات في عام 2017 قام بها مركز Pew Research تبين أن 67 بالمئة من كبار السن فوق عمر ال65 في الولايات المتحدة يستخدمون الانترنت بشكل يومي، وهذه يعتبر تقدم كبير بالمقارنة مع إحصائيات عام 2000 التي بلغت فيها نسبة مستخدمي الانترنت من كبار السن 14 بالمئة فقط.
على مدى العقد المقبل ومع استمرار الجيل الحالي في التقدم بالعمر، من المتوقع ازدياد عدد كبار السن الذين يستخدمون الانترنت، وهذا يسلط الضوء على فوائد وتحديات تأثيره على عدد كبير من كبار السن بما في ذلك الآثار الإيجابية والسلبية على الدماغ.
السلبيات والتحديات
اعتماد وسائل التواصل الإجتماعية والانترنت بين كبار السن له عيوبه أيضًا، كالتشتت وصعوبة العثور على المصادر الموثوقة واستخدام التكنولوجيا.
فبالإضافة إلى فوائد استخدام الانترنت، فالأنترنت يشتت الناس ويؤثر على الذاكرة.
فإن تمضية الوقت على حساباتك في مواقع التواصل الإجتماعي ومع الاستخدام الدائم للهاتف، لن تلاحظ ما يحدث حولك في العالم المحيط، إنها تشتت انتباهك وذاكرتك وهذا ليس بالأمر الجيد، فالذاكرة تشتمل على عنصرين، جذب الانتباه حتى تتمكن من تعلم الأشياء والاهتمام والانتباه حتى تتمكن من إخراجها من ذاكرتك عندما تحتاج لذلك.
إضافة إلى ضعف مهارات التواصل وجهًا لوجه، غالبًا ما ترتبط التأثيرات المشتتة للتكنولوجيا بالأشخاص الأصغر سنًا الذين يميلون لإستخدام الانترنت بشكل أكبر، ومع ذلك يمكن أن يتأثر الناس من أي عمر كان. التشتيت يمكن أن يؤثر على السلامة وعلى سبيل المثال، أثناء القيادة، ويمكن أن يعوق أيضًا عمليات التفكير ويحد من قدرات التفكير في الدماغ.
كما أن التكنولوجيا والمنتجات التي تفشل في معالجة العوامل التي تعيق وتصعّب استخدام كبار السن لها شكلت مشكلة لهم، فإن تصميم الأجهزة التكنولوجية المخصصة لكبار السن يجب أن تشتمل على استخدام الخطوط الكبيرة بما يكفي ليقرأ الناس ويزيدوا التباين في شاشات العرض لذوي الرؤية الضعيفة، فبدون هذه التعديلات المخصصة، قد يكون من الصعب على كبار السن قراءة المعلومات عبر الإنترنت أو استخدام هواتفهم الذكية. لحسن الحظ، يعمل المهندسون الصناعيون على حل هذه المشاكل.
اضافةتعليق
التعليقات