تمثل الجامعات بكل تشكيلاتها من الكليات والمعاهد التقنية صروحا علمية كبيرة في المجتمع تقع على عاتقها عملية قيادة المجتمع وتطويره وادخال المستجدات العلمية والتكنولوجية والثقافية إليه من أجل قيادة زمام التطور والبناء ومسايرة الحضارة العالمية في جميع المجالات والتفاعل معها بصورة فاعلة والتأثر والتأثير بها بما يخدم مصلحة أبناء المجتمع والمساهمة في قيادة عملية التنمية فيه بالتعاون مع المؤسسات الأخرى فيه.
وتكتسب الجامعات هذه الأهمية الكبيرة في الحياة الاجتماعية كونها هي الأكثر قدرة من بين المؤسسات الأخرى لتبوأ المكانة الريادية الفاعلة في هذا المجال لأنها تمتلك الامكانيات العلمية والبشرية والمادية بدرجة أكبر من غيرها وأن المنتسبين لها لديهم المؤهلات العلمية التي تجعل لهم القدرة على اجراء البحوث العلمية والتطبيقية ونقل آخر ما توصلت إليه المجتمعات الأخرى وتطبيقها على المجتمع.
ونظرا لهذه المكانة الكبيرة للجامعات والنظرة الاجتماعية الايجابية لها فقد أصبحت حلما جميلا يراود معظم الشباب وبالأخص الفتيات للالتحاق بها وفي مختلف التخصصات المتوفرة فيها والتواجد داخل أسوارها وسبر اغوارها والتعرف على طبيعة الحياة الجامعية والتفاعل معها وبناء شخصيتهم الانسانية المتكاملة في مختلف المجالات واكتساب المعلومات العلمية التي تجعلهم قادرين على التخصص في مجال معين واكتساب الشهادة العلمية التي تؤهلهم لممارسة العمل في ضوء التخصص بعد التخرج والالتحاق بالحياة العملية.
وبما إن للمرأة شأنا عظيما في سير أي مجتمع واتجاه أي أمة، فلها دور كبير حينما تستقيم الحياة على منهج الله، ويتنسم العباد عبير الطهر والعفة والاستقامة، وتنتشر المحبة والألفة والتعاون والتكافل بين الناس. ولها دور كبير أيضا حينما تنحرف الحياة عن منهج الله، وتتخبط المجتمعات البشرية لاهثة وراء القوانين الوضعية والأحكام البشرية والتشريعات الأرضية، ويتجرع العباد مرارة الانحلال في شتى صوره ومجالاته، فينتشر الحقد والحسد، وتسود العداوة والبغضاء، ويعم الظلم والأنانية أفراد المجتمع، فالنساء نصف الأمة، ثم إنهن يلدن النصف للآخر، فهن أمة بأكملها.
وقد اسهمت المرأة المسلمة اليوم بشكل فاعل ومؤثر في تطور واستمرار الحياة الفكرية في كافة العصور الاسلامية، فكان لها الدور الريادي في رفد هذه الحياة بنتاج معرفي مميز وبمختلف المجالات العلمية التي شهدت ظهور نخبة متميزة من النساء المسلمات كان لهن أثراً كبيرا في نشر العديد من العلوم والمعارف في الأمصار الاسلامية.
وتتجلى مسؤولية الطالب الجامعي وبالأخص شريحة النساء في مناحٍ شتى، حسب المرحلة العمرية التي يعيشها الطالب في تلك المرحلة التعليمية وتتباين بحسب كل طالب تبعاً لعوامل نفسية واجتماعية..
أولى المسؤوليات التي تتمثل لنا: المسؤولية التعليمية، وثاني مسؤولية -من وجهة نظري- تتمثل في النشاطات الغير أكاديمية، وهي مسؤولية خدمة المجتمع، ذلك أنّ المرحلة العمرية للطالب الجامعي مرحلة لها قابلية كبيرة لأن تؤتي أكلها وأثمارها..
من أهم هذه المسؤوليات القيام بنشاطات ثقافية تثري العقول وتصقل المهارات الفردية والقيام بأعمال تطوعية من أجل خدمة المجتمع في شتى المجالات.
من فوائد هذه المسؤوليات مساعدة الطلاب وخصوصا النساء في تفعيل دورها في خدمة مجتمعها كما تسهم في انخراطها كعضو فعال في مجتمعها.
ولا شكّ أن التعليم الجامعي ضروري جدّا لينهل الطالب من العلوم وليكتسب "حِرفة علمية" إن جاز التعبير ليعتاش منها وليمارس هذا العلم في عمله في المستقبل، سواء كان موضوعه الذي يدرسه من العلوم التطبيقية أو من العلوم الاجتماعية أو غير ذلك. ولكن ثمة بعد آخر ينبغي أن ينتبه إليه من يرنو إلى بناء عقله وتفكيره وهو "الثقافة"، وهي شيء آخر وراء مجرد التعليم أو الحصول على شهادة جامعية.
إنّ الحدّ الأدنى من التعليم يكسبك ثقافة كافية في مجال تخصصك، ويمنحك "رخصة" لمزاولة مهنة ما، ولكن الاقتصار على هذا الحدّ الأدنى مؤذٍ للمجتمع؛ ذلك أن الطالب إذا لم يبادر إلى بناء ثقافته -في مجاله قبل كل شيء- زيادة على الإطار المنهجي في الدراسة الأكاديمية فلن يساهم في بناء ثقافته الذاتية وثقافة المجتمع من حوله، بل سيعطي صورة سلبية عن "المتعلّم غير المثقّف" الذي يتعامل مع شهادته باعتبارها رخصة لمزاولة المهنة فحسب، دون وازع ثقافي يجعله يزداد ثقافة في مجاله أو يتعامل معه بشغف وفضول.
وإذا تجاوزنا قضية أنّ الأصل في اختيار الموضوع -إلى جانب امتلاك مؤهلات دراسته (العلامات) ووجود فرص عمل فيه- هو أن يحبّ الطالب هذا الموضوع ويجد نفسه فيه، كي يبدع فيه ويتقدم، فإنّ إحدى القضايا الخطيرة التي تواجه الطلاب هي قضية "الثقافة".
وإلى جانب المكتبة فهناك الكثير من أهل الثقافة والعلم والطلاب النابهين في الجامعة، وهو ما يتيح للطالب فرصة عظيمة لمناقشة قضايا العلم والثقافة والمجتمع وغيرها، فالتفاعل مع الأشخاص الذين يحملون وجهات نظر مختلفة ومعارف مختلفة وتداول الآراء هو أداة مهمة وفعالة جدا في بناء ثقافة واسعة، متفهّمة، واعية للآراء الأخرى. ذلك أن إحدى أكبر مشكلات بعض الطلاب هي الاقتصار على لون واحد من القراءات أو الأشخاص، مما يبني عقلية منغلقة لا يمكنها استيعاب الاختلاف في القضايا الحياتية المختلفة، أو لا يمكنها إدارة الخلاف بشكل مرن وذكي. وهنا تكمن أهمية الوجود في وسط يجمع الأفكار من النقيض إلى النقيض. ليست هذه دعوة إلى قبول كل فكرة، ولكنها دعوة إلى الاطلاع على مختلف وجهات النظر، وهو ما يساهم في بناء ثقافة أقوى وأمتن.
كثير من النساء يغيب عنهن فهم وفقه الدور المطلوب منهن نتيجة غياب فهم مقاصد التكريم لهن ومقاصد خلقهم كنساء، كما تغيب عنهن معرفة مصادر الأفكار الوافدة مما هو أصيل في ديننا وثقافتنا كأمة عربية وإسلامية، وغفلة المرأة عن الدور المطلوب منها قد يكون السبب الرئيسي لغياب الدور الفاعل للمرأة في المجتمع.
تتخذ بعض النساء من تقليد النساء الغربيات منهجا لها في اللباس والعادات والسلوك في الحرم الجامعي وهذا له عدة مظاهر:
- انبهار عدد كبير من النساء بالمظاهر الغربية في اللباس والسلوك.
- تقليد النموذج الغربي في نظرته للمرأة، والتي تبدو في ظاهرها حرية ومساواة وتحضرا وانتصارا لها بينما في حقيقة الأمر، تُستعبَد المرأة بتحميلها ما لا تطيق، وبإجبارها على العمل لتنفق على نفسها.
- مؤتمرات الأمم المتحدة التي تفرض علينا نسقا متتابعا من التخطيطات للأسرة والمرأة على الخصوص.
- تعظيم دور المرأة خارج المنزل (العمل مدفوع الأجر) على حساب دور المرأة المهم داخل الأسرة.
وهنا لا بد أن تستوعب المرأة المسلمة النقطة الجوهرية التي تميزها عن المرأة الغربية فقد كرمها الله ورفع من قدرها وساوى بينها وبين الرجل في التكليف والحساب وهي بذلك يمكنها أن تواجه تحديات العصر بكل ثبات وأهلية وجدارة، وتستطيع القيام بسد الثغرات التي لا يمكن أن يسدها الرجل لأنها من فطرتها لا من فطرته. فلا يحدث بينها وبين أخيها الرجل تزاحم على أدوار غير مخصصة له أصلا أو مخصصة لها وشاركها فيها، بل تتمكن بوعيها من معرفة مواقع التفاضل بينها وبين الرجل فتتقد في المواقع التي تفضله فيها وتتأخر في المواقع التي يفضلها فيها. كما تدرك مواقع التكامل بينها وبين الرجل فيتقدم كلاهما مدركين أن تلك المواقع مما يحتاج إليهما معا، فلا يقع تزاحم على مواقع وفراغ في مواقع أخرى.
ويمكن للمرأة أن تلعب دورا حيويا ورئيسيا في تنمية المجتمع وتطوره من خلال مشاركتها في التنظيمات داخل الحرم الجامعي، الذي لا ينفصل عن وضعها في المجتمع بصورة عامة، وهو الوضع الذي سيتحدد بدوره، بمدى تطور البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية بالقدر الذي يتيح للمرأة المشاركة والعمل المجتمعي.
ولابد للطالبة الجامعية وهي تعيش الحياة الجامعية أن تطور اتجاهاتها وأفكارها ومعتقداتها بالاتجاه الايجابي في ضوء العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية السائدة في مجتمعها ومحيطها والتي لابد لها أن تكون مستلهمة لروح العصر ومعطيات التطور العلمي بصورة واعية وصحيحة من خلال قيام المؤسسة الجامعية بأعداد خطط دقيقة لتنمية اتجاهات الطالب بصورة عامة نحو مختلف القضايا وجعله ذو رأي صريح وجريء وموقف محدد وايجابي وأن يكون محترما لتقاليد وعادات مجتمعه ومبادئ دينه السمحاء ومتصفا بالأخلاق الفاضلة وحريصا على وطنه ومساهما في بناءه وتطويره.
إننا نأمل أن تكون الطالبة المسلمة الجامعية اليوم انسانة محورية في محيطها الدراسي داخل المؤسسة الجامعية والاجتماعية في المجتمع وأن لا تكون هامشية منزوية في ركن مظلم لا دور لها ولا تأثير لأنها تمثل شعلة الحياة المتوهجة لمستقبل البلد وبانية حضارة البلد الجديدة من خلال تزويدها بحافات العلوم لتلحق بالأخرين وتقلص الفجوة بين مجتمعها والمجتمعات المتقدمة الأخرى لكي يستعيد البلد مكانته الرائدة بين الأمم والشعوب.
اضافةتعليق
التعليقات