إنّ "العشق" لا يأتي فقط بعد المعرفة الدقيقة والعميقة كما يعتقده ويتصوره أغلبنا. نحن نتصور أنّ العلم والمعرفة العميقة "بالشخص" تكون حصيلته المحبة والعشق وبالتالي العمل بإظهار المودة.
هل تأملت يوما لماذا تحن مثلاً لحائط قديم في الشارع؟! لأنه يعيد بك إلى ذكريات الطفولة حيث كنت تلعب أنت وأبناء الجيران قرب هذا الحائط.. أرأيت ماذا فعل "حائط" بك؟! حائط أعزائي حائط!..
فمجرد تكرار وجودك بجواره في فترة معينة من عمرك أثر بك كل هذا التأثير.. أن تحظى "بالثمرة" فهذه حصيلة "أفعالك" لا حصيلة المعرفة الدقيقة بهذه الثمرة.
ولن تحصل عليها حتى وإن قرأت عنها آلاف الكتب ودرست كل مراحل نموها ووو... وبعد ذلك تجلس وتنتظر أن تُغرس البذور بشكل أوتوماتيكي!، بل عليك أن تبدأ "بالعمل" وأن تغرس البذور وأن تسقيها بشكل مدروس وهلم جرا.. لكي تحصل على النتيجة المرجوة.
فالمعرفة القليلة (اللازمة) مع العمل الكثير والكثير.. هي التي تجعلك تحظى بهذه الثمرة اللذيذة.
البعض تسأله لماذا لا تصلي صلاة الليل؟ يقول ليس لي مزاج.. أو ليس لدي الإقبال.. أن تنتظر أن تصل الى منتهى المعرفة ومنتهى الإيمان ومنتهى الإقبال لتبدأ بعدها بالعمل.. هذا خطأ!.
إنك لا تعلم كم لهذا "العمل" وتكراره.. تأثير على قلبك وروحك، لتجلب باستمرارك لهذا العمل كل هذه الأمور (الإيمان، المعرفة، الإقبال والعشق).
كيف أرتقي لأغدو عاشقاً لصاحب الزمان؟
اعمل بصفات العشاق.. حتى ولو كان تمثيلاً، صدقني ستتأصل هذه الصفات بعدها فيك بطريقة محيرة لك.
لله درّ أمير المؤمنين علي(عليه السلام) عندما قال وهو الذي يأتي في أعلى قائمة علماء التنمية البشرية: "إِنْ لَمْ تَكُنْ حَلِيماً فَتَحَلَّمْ فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ إِلَّا أَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ". (المصدر: نهج البلاغة).
والمقصود من كلام الإمام إن تظاهرت بشيء وإن كان تشبهاً وتمثيلاً ليس إلا؛ فلا تستهين به أبداً، لأنّ القلب يتقلّب وسيتأثر بمرور الزمن، وبتكرار التشبه لذلك الأمر ستتأصل فيك الصفة التي تظاهرت بها وتصبح حقيقية.
فالـ "عمل" هو الذي يولّد ويشعِل المشاعر المكنونة داخل القلب. تريد أن تعشق؟ إعمل! إلهج بذكره كل يوم! كل يوم..
كم مرة تسلّم على إمام زمانك في اليوم؟ كم مرة تناديه تستغيث به في أمورك اليومية؟ حائط جماد قد يجعلك تحن إليه! والإمام (روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء) الذي هو وجه الله وهو أحن من والديك عليك، لا؟!!
كم نحتاج من المعرفة؟ ليس بالكثير! ولو بمقدار الواجب وبالمقابل "بحـــر من العمل".
لأكون شخصاً عاشقاً لا يحتاج الأمر مني معرفة ودراسة عميقة لإتعاب نفسي لأرتقي بعدها درجات العشق!، بل إنّ المعرفة القليلة مصاحبة بالعمل الكثير يجعلني عاشقاً له ويعلمني ما لا أعلم.
عن النّبي (صلّى اللّه عليه وآله): "أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج من اللّه عزّ وجلّ". ماذا يعني "أفضل الأعمال" إنتظار الفرج؟ هل يعني أن أجلس وأنتظر الإمام ليظهر؟
لقد نوّه سيد الكونين بالـ "الأعمال" ولم يقل أفضل "الأمور"! يعني إنّ "الإنتظار" هو "العمل" وأن أكون منتظراً حقيقياً يجب أن أعمل على نفسي! أن أهيئ نفسي لأكون عاشقاً حقيقياً له وبالتالي ممهداً لظهوره المبارك، أن أجاهد نفسي لأتخلص من عاداتي السيئة والمعيقة لارتقائي سلّم العليين.
نعم، إن كنت "بطلاً" حقاً فـ "صارع" نفسك!.
اضافةتعليق
التعليقات