يقال إن التاريخ سلسلة حروب، وإنَّ الشعب الذي لاحروب له لاتاريخ له. على ضوء هذه العبارة هناك تساؤلات تجيء أمامنا، هل فعلاً الحروب هي التي تصنع تاريخ الأمم؟، وماهي معايير النصر والهزيمة؟، وأي الحالات تحديداً تستحق أن تنشب معارك من أجلها، والأهم من كل ذلك ماهو حصاد تلك الحروب ومن يجنيها أو يقطف ثمارها؟.
إذا أردنا الاجابة عن كل ماورد أعلاه لنأتِ بنموذج حي لإحدى حروب العالم، ولعل الأهم والأشهر على الاطلاق من التي تحضر إلى أذهاننا ألا وهي الحربين العالميتين الأولى والثانية، فهي من أكبر وأفظع الحروب التي وقعت على مر التاريخ وعلى أثرها تغيرت موازين القوى وتبدلت خريطة أوروبا والعالم بأسره، أما أسبابها فكثيرة والظاهر منها هو المطالبة ببعض الحقوق والحريات للأقليات أما الحقيقي منها فهي أهداف سياسية واقتصادية، وأما حصادها فهي الشعوب وملايين من القتلى وأضعافهم من الجرحى.
وعودة إلى تساؤلاتنا السابقة نرى أن هاتين الحربين قد صنعت بالفعل تاريخا لبعض الدول، ونذكر منها تحديداً اسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والتي كان للأخيرة حصة الأسد من كعكة الانتصار على ألمانيا وحلفائها، فهي قبلا لم تكن ذي اسم يعتد به كثيراً، والأهم من كل ذلك أنَّ إنشاء عصبة الأمم المتحدة جاء بقرار رؤساء أميركا، بيد أنَّ هذا التاريخ المزعوم يجب أن نرفق وراءه كلمة مهمة ألا وهي: دموي!.
نعم لقد نجحت في صنع تاريخ دموي على جثث المهزومين، فالحرب العالمية الثانية لم تتوقف إلا بعد إلقاء الولايات المتحدة لقنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي، ولاتزال صفحات التاريخ شاهدة على الوحشية البشرية التي حصلت في دقيقة واحدة فقط وخلفت وراءها مئات الآلاف من القتلى والجرحى فضلا عن المخاطر الاشعاعية لهذه القنابل ولمّا تزل آثارها إلى الآن في تلك المناطق.
وكذلك أنشئت مايُسمى بدولة اسرائيل بعد اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور بعد الحرب العالمية الأولى، فعلى ضوئه أعطت بريطانيا الحق لزعماء اليهود باقامة وطن قومي لهم في فلسطين.
فكان من نتائج تلك الحروب اعتبار أميركا دولة عظمى وإلى اليوم هي تتسلط على رقاب المستضعفين في كل العالم، وأيضا حصول اليهود على أرض تأويهم، فهنا وبالنسبة لهاتين الدولتين الحرب كانت تستحق وإن كان حصادها مبنيا على مآسي وويلات.
إلى هنا أجبنا واياكم على تلك الأسئلة، واتضح أنَّ المقولة إلى حدٍ ما صحيحة وطُبقت على أرض الواقع في الكثير من الحروب في الزمن الماضي والحاضر، لكن تبقى نقطة واحدة وهي معايير الانتصار والهزيمة، في المثال السابق أسقطنا العبارة قبل أن تنجح مفرداتها على مبادئ غير أخلاقية بل كانت تنم عن وحشية وهمجية شعارها: الغاية تبرر الوسيلة.
أما إذا أردنا أن نحدد معايير وقيم تؤطر أي معركة أو حرب أو نزاع حول أي حق اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي، فالأمر يختلف تماماً بل جذرياً..
فقد شهد التاريخ الاسلامي العديد من الحروب والثورات، وعندما نأتي إلى تفاصيل تلك المعارك التي كانت جبهة الحق واضحة فيها للعيان ولا لبس فيها، كحروب أمير المؤمنين عليه السلام، نرى بدايةً أنَّ جلها كانت دفاعية، والخسائر البشرية من أقل مايكون، ولم تكن الحرب أبداً هي من صنعت تاريخ الامام المشرّف ودولته الكريمة، بل حكومة الامام وعدالته ومواقفه الانسانية وردة فعله في كل من تلك الحروب وأخلاقياته مع الخصوم هي التي خلّدت اسم الامام.
وبعد استشهاد الامام صلوات الله عليه سار ابنه الحسن المجتبى على تلك المسيرة الوضّاءة، لكن الذي حصل وعلى حسب نظرة البعض القاصرة وزعم الأعداء هي قضية الصلح مع معاوية، والتاريخ أعاد نفسه مع الامام بعد أبيه، فإن كان الحق جليّاً كما قلنا والظلم والانتهاكات وقعت في جبهة الباطل المتمثلة بمعاوية، فلمَ قبل الامام الحسن الصلح؟!.
سيقول قائل لايفقه ولايعي ويطلق الأحكام بلا دراية: بأنْ لا تاريخ للامام الحسن، فالحرب التي كان يجب أن تنشب ماحصلت، والجنوح للهدنة يساوي الهزيمة، وكان هناك الكثير من الظلم والحقوق المسلوبة والحرمان وغياب العدالة الاجتماعية التي كانت تستحق بلا شك أن يثور الامام لأجلها، أما حصاد تلك النظرة وذلك القول هو أن الامام وُصم بالخوف وأنه رفع الراية البيضاء، ومظلومية الامام الحسن في هذا الجانب لاتزال إلى يومنا هذا!.
إنْ صحت الحكمة القائلة: الثورة يفكر فيها العقلاء ويقوم بها الشجعان أو يفجرها المجانين ويجني ثمارها الجبناء.
فأي قائد عاقل عليه أن يضع بعض البنود بعين الاعتبار قبل أي معركة أو انتفاضة ومنها: مصلحة الأمة وحماية الرسالة، قوة الجيش وحفظ نقاط قوته، الخيانة المحتلمة أمام الخذلان وقلة الناصر، المكاسب والخسائر، نسبة سفك الدماء وامكانية حقنها، احتمالية الفتن ومايتبعها من عدوانية وحمل سلاح، وتلك كانت جزءا من حكمة الامام في قبوله للصلح، وهي ذاتها وقد تزيد عليها بنقطة أو أكثر مسببات إعلان أخيه الامام الحسين الثورة على يزيد، وهنا ينطق الحديث الشريف الذي يقول فيه سيد الرسل صلى الله عليه وآله وسلم: الحسن والحسين امامان قاما أو قعدا.
فالثورة قد فكّر بها الامام ودعا إليها بأكثر من خطبة، لكنَّ الشجعان لا يكفي عددهم أمام مجانين لم يفهموا حكمة الصلح واتهموا الامام بما لايليق وجبناء اشتراهم معاوية بالمال والخوف.
وكم من حروب وإنْ كانت دفاعية وعود كبريتها اشتعل عن حق قد نشبت وراح خلالها آلاف الضحايا وكان من الممكن تفادي ويلاتها بهدنة أو صلح أو اتفاقية سلام تُعقد بحكمة!.
اضافةتعليق
التعليقات