الريقُ المَسْقِيّ من رحيق الإخلاص والوفاء أنهارُ شهدِهِ تجري ليُشفى بها من به درن، والروح التي بُنِيتْ على أساس التفاني تغادر جسدها لتسدي معروفها، والفكر المروض في ميدان التضحية لايهمه عظيم ماينفق، والقلب المجبل على حب أمير المؤمنين لاترجو منه ضعف.
وقفتُ على تلك العتبة أراقب من بعيد ولادة روح جديدة تضاف الى تلك العائلة رفعت تغاريد الفرح بالمولود الذكر تقربتُ منه تأملتُ فيه وبابتسامة تقربت من وجنتيه وأخبرته أنك هديتي ابتسم لي.. ثم أخبرته سيكون معك شخص منك انتابته موجة بكاء ضحكت بصوت مرتفع ثم قبلته واخبرته لدي عروستين ستكون للأجمل منهما سكن من روعه واخذ مغادرا بعينه الجميلة الى عالم الأحلام.
بقيت أراقبه يوما بعد يوم يتعثر بممشاه فأمد اليه يدي واذا اخذه المرض قابلته بإبتسامة مطمئنة أنه لاضير عليك ومع رحلة شبابه بدأت براعته في السيف تظهر للعيان وبدأ يشارك بالمعارك والخلافات وحراسة الحدود في كل مرة يضرب فيها ويظن الجميع أنه غادر الحياة أقف بكل ثبات واصرخ ليس موعده اليوم صوتي غير المنتمي اليهم لا يصلهم وعندما يستفيق اكون أمامه أراعيه فهو الهدية الموعودة لتلك العروس الغالية.
كان المختار من بين أهله لأن في داخله ذلك الشعاع الذي يقود العاشق الى معشوقه شعاعه ينقسم في سمائه اثنتا عشرة عينا للضوء احدهما اعادت اليه من قبسها فعرفت انه في ذلك السرب، خطى في ذلك الدرب أولى خطواته وانبته في عمق ابنائه واخضرت اشجارهم وتفرد منهم من شَجرته أثمرت وكان ظهرا لأبيه.
نحت فيه صورة لرجل حضرموت المُشْرَب بالحضارة المتفاني في الحب المخلص للولاية سيفه رهنه للدفاع وكذلك ابنه فشق الثاني طريقه قبلا فغدى علما في الحدود يدحر الفرس ويحرس الارض.
بدأت أجهز لعروستي فقد اقترب الموعد فطفقت اساعده في لبس عمامته والبسته عبائته نظرت اليه بعين دامعة فرحة هذا الشيب قد غزا رأسه وبدا كشيخ وقور تحلم به المجالس وتتوق لحكمته الفوارس.
أرتفع صوت خيله وهو يرنو تلك الارض، لم أغب عنه في مسيره بل بقيت أراقب طلته وقربه من مناي، خطوات خيله التي سابقت الريح ترسم لوحة تفيض منها رائحة العروبة بلثامه الاسود وخيله العمرد يشق الريح.
وهناك تعلو خيلا أخرى خيل ابنه المتجهة الى تلك المعركة القريبة منهم يواجه الفرس،
هنا وصل الى وجهته وحط رحاله مع ذلك الركب الأسمى والتحق بهم بقلب راضٍ أمسح وجنتيه استمع معه للكلام المقدس الذي يصدر من ابي الاحرار والى وصاياه أشحن في صدره الغيرة والابا، وأبث فيه الحب والولا.
هناك في معركة الفرس علت السيوف وضجت أصوات الخيل وعدد القتلى يزداد، كثر الفرس وازداد عددهم وهاجموهم من كل مكان صيحات شبله بدأت تعلو تشجعهم وتؤزرهم أحيط به من كل صوب وسيوفهم بدا تصل اليه، ضربه أحدهم على يده مسقطا السيف..
هنا وصلوا الى مستقر الركب عملوا على تنصيب الخيام، وفي ليلة التاسع أقبل احدهم برسالة الى بشر وبعد أن سأل عنه: أخبره بأسر ابنه في الري على يد الفرس، أطرق برأسه الى الأرض، إنقاذ ابنه متوقفا عليه رفعت رأسه الى السماء أريته ذلك الشعاع المنبثق منه إلى العيون والقبس الذي نزل عنده فتح عينيه وبإطمئنان وخطوات واثقة عاد الى خيمة الأصحاب جلس بينهم مبتسما لكلامهم لايعلم أي سكينة تلك التي اعترته، بعد برهة أستدعاه المولى ابا عبدالله وقال له: بلغني أن الخبر ولدك أسر في ثغر الري، فقال: سيدي عند الله أحتسبه ونفسي، ماكنت أحب ان يؤسر ولدي وأن أبقى بعده حياً.
فقال له الحسين: رحمك الله، أنت في حلِّ من بيعتي، فأعمل في فكاك رقبة ابنك. وقَدّم اليه خمسة أثواب وبرود قيمتها ألف دينار فقال له: سيدي أبا عبد الله، أكلتني السباع إن أنا فارقتك وأسال عنك الركبان مع قلة العوان، لايكون ذلك ابدا.
جاء يوم العاشر وبدأ الصدام وارتفعت الاتربة ينظر الى الاصحاب واحدا بعد آخر يغادر الى الملكوت الأعلى يرى نساءً لاطمات وأُخَر ثائرات، أعين ملئت بالثبات ونفوس شحذت بالصبر ينظر اليهم كلٌ يسقط من جواده فتتلقفه الملائكة.
نظرت اليه نظرة مودع ها قد اقترب موعده، تقربت من عروسي ابتسمت لها واشرت اليه هاهو هديتي لكِ، برز للميدان وانظري عليه تارة تهطل دمعتي وتارة اتمتم له بالدعوات، استأذنت منها لأذهب الى الري هناك حيث الروح الأخرى وقعت الروح يتقطر منها الدم، استدعيت عروسي الاخرى لاستقباله، عدت الى بشر وقد أخذته السيوف والرماح وتحول شيبه الوقور الى كتلة من الدماء، وقع من فرسه تلقفته بيدي تساقطت قطراته الى الارض تركته عندما رأيت ابا عبد الله متوجها اليه تركته معه نظرت لعروسي فرحت به.
التفت اليه صعدت روحه أخذتها اعطيتها لها احتَضَنَتْه وتبنته ثم ختمت على جبينه من اسمها فخطت عليه اسم الشهيد وكذلك تلك، صعدت كل عروس تحمل شهيدها وغادرت انا الأجل ابحث عن أرواح ألحقها الى بارئها.
اضافةتعليق
التعليقات