القُرّاء هُم أكثر تأثيراً في المجتمع الذي يعيشون فيه، والقارئ يطّلعُ على معاناة المجتمع والقصور الموجود فيه، ويشارك في التغير، ولأننا أمة أقرأ، فأول مانزل على نبينا محمد "صلى الله عليه وآله وسلم" هي كلمة (أقرأ)، ثم نجد أمة أقرأ لاتقرأ!.
تعتبر القراءة من أهم المهارات المكتسبة التي تحقق النجاح والمتعة لكل فرد خلال حياته، لذلك
إن القراءة هي الجزء المكمل لحياتنا الشخصية والعملية.
(جو جوه بينغ) كاتب، وفيلسوف صيني معاصر وأحد أهم كتاب النثر في الصين، يتكلم عن اهمية القراءة وتأثيرها على الحياة الروحية للفرد:
يقول جو جوه بينغ: لماذا علينا أن نقرأ؟
برأيي إن هذا السؤال مرتبط ارتباطاً وثيقاً بسؤال لماذا يحيا الإنسان؟
إذا قلنا إن هناك شخصاً لا يبالي بأن يكون للحياة التي يعيشها معنى، فبالطبع قد يكون هذا الإنسان لا يقرأ الكتب. ولكن إذا كنت تهتم بمغزى الحياة، وتريد أن تجسد قيمتها، ولا ترضى أن تضيع حياتك سدى، إذن ستكون القراءة غاية في الأهمية بالنسبة لك.
في الحقيقة يمكننا أن نقرأ الكتب في كل حين، لكن لأسباب مختلفة، وقد قمت بتحليلها، فتقريباً هناك ثلاثة أهداف من القراءة:
الهدف الأول هدف عملي: على سبيل المثال تخصصك أو عملك يتطلبان منك قراءة بعض الكتب، أو أنك تقرأ بعض الكتب عن المتاجرة في البورصة أو التغذية، فلو كان لديك مثل هذه الكتب فقط، فلا أعتقد أنك شخص لديه عادة القراءة.
أما الهدف الثاني فهو للتسلية: تكون تعبت من العمل، وفي وقت فراغك تقوم بتصفح الصحف، والإنترنت، وتقرأ أخبار النميمة، أو تحمل كتابًا في يدك، وذلك فقط بهدف أن تأخذ قسطاً من الراحة، فهذا أيضاً لا يتعلق بالقراءة التي أقصدها.
في رأيي إن النوع الثالث من القراءة هو القراءة الحقيقية، وهو أن تتخذ القراءة كحياة روحانية، فبواسطة القراءة، تلمس السعادة الكامنة في الروح، وتحظى بارتقائها، وكذلك تحصل على تغذية لروحك من خلال الكتب، فتثري قلبك، وتجعله غنياً ممتلئا، تُنضِج روحك، وهذه هي القراءة التي ننادي بها ونشجعها.
بالطبع قد لا تتعارض هذه الأنواع الثلاثة مع بعضها بعضاً، إنما أقول إنني سعيد الحظ بعض الشيء، فتخصصي هو الفلسفة والعلوم الإنسانية، وكذلك أحب قراءة هذه الأنواع من الكتب، فهذه أفضل أنواع التسلية بالنسبة لي، وفي الوقت نفسه يكون لها مكسب روحاني، فأهداف القراءة الثلاثة تلك، واحدة بالنسبة لي.
فإن عمل معظم الناس غير متعلق بالعلوم الإنسانية، ولكن على الأقل يمكنهم أن يجمعوا بين شيئين، فمن خلال القراءة يمكنهم أن يحظوا بارتقاء روحاني، وفي الوقت ذاته يحصلون على راحة واسترخاء ممتازين، بالطبع ينبغي عليك أن تصل إلى درجة محددة.
لطالما ردد الناس هذه العبارة القراءة تغيّر الحياة: فماذا تغيّر القراءة في الحياة؟ في رأيي، إنها لا تغير ظروف الحياة الخارجية بشكل رئيسي. على سبيل المثال أنت موظف، فهل يمكنك أن تترقى بواسطة القراءة؟ بالطبع لا، بل أحياناً يكون على العكس تماماً، فمحبّ القراءة لا يرتقي في منصبه، وربما لا يلقى ترحيباً من الدوائر المحيطة به.
لو كنت تاجراً، فهل يمكنك أن تكسب المال أكثر من خلال القراءة؟ ربما لا. ليس بالضرورة أن يكون ما تمنحه القراءة نجاحاً خارجياً، كما أنني أعتقد، أن الشخص الذي يقرأ بهدف تحقيق النجاحات الخارجية، لا يكون دافعه الرئيسي صافياً خالصاً، وبالتالي لا يقرأ جيداً، ولا يستوعب ما يقرأ، وفي النهاية قد يفقد الأمل، وييأس ويتخلى عن الفكرة.
إذاً ما الذي تغيّره القراءة؟ يبدو لي أن ما يتغير هي حدود الحياة وأسلوبها، حتى لو لم تتغير حياتك الخارجية، وظللت تفعل الأمور التي فعلتها مراراً، سيصير لها معنى مغايراً؛ لأن مزاجك يكون قد اختلف وتغيّر.
أعتقد حقاً، لو أن هناك شخصاً على قلبه تغيير ما، حتى لو ظل يفعل الأشياء التي يفعلها في عالمه الخارجي، ولكن سيصير لها معنى مختلفاً، وبالتالي يكون قد فعل شيئاً جديداً.
مثلاً الكاتب، هو شخص يكتب ليحيا، ولو اتخذ الكتابة كوسيلة فقط للسعي وراء الرزق ولكسب المال، فيمكن أن يكون هذا شقا من عمله. ولكن هناك شق آخر، وهو أنني لدي تطلعات داخلية، والكتابة هي حياتي الروحية، فأرغب حقاً في كتابة أشياء ترضيني وتشبع رغبتي، وأشياء يمكنها أن تجسد تطلعاتي الروحانية بالفعل، ولا يمكن أن أكتب فقط في سبيل الحصول على أتعاب كبيرة للتأليف، أو لتصير أعمالي من الأعمال الأكثر مبيعاً في الأسواق.
لذلك، لو كان العمل نفسه، ولكن مع اختلاف العالم الداخلي للإنسان، ففي الواقع ستختلف الأمور التي يفعلها أيضاً. الفرق الأساسي بين شخص وشخص آخر لا يكمن حقاً في نوع عمله، بل في حدود قلبه، وفي شعوره بقيمة الأشياء، وغايته من الحياة، ورؤيته للأشياء وفقًا لأهميتها. فإن اختلاف الوظيفة ليس مهمّاً على الإطلاق، فإن الناس الذين يعملون في الوظائف نفسها، يمكنهم أن يعيشوا حياة مختلفة تماماً، وذلك لأن دواخلهم مختلفة.
ينبغي على الإنسان أن تكون لديه حياة روحانية ثرية، ولا داعي أن تكون مقتصرة على مجال أو تخصص بعينه. فلكونك إنساناً، فقد أوجدك الله في هذه الدنيا، ليس لأنه يريد منك أن تتخصص في القيام بعمل ما، بل لأنه يريدك أن تعيش، وتحيا حياة جيدة. وأنا شخصياً مقتنع، أن القراءة لا تثري قلب الإنسان وحسب، ولكنها أيضًا تجعل قلبه هادئاً. يقول الناس لي: أستاذ جو، «أنتَ لديك مقدرة على التركيز، أنت هادئ للغاية»، صحيح، بالفعل أنا هكذا، صرت أشارك في الفاعليات الاجتماعية بشكل أقل بكثير، والآن أقيم ندوات بشكل أكثر، ولكنني أيضاً أحدّ من الدعوات وأرفض معظمها. استغل أغلب وقتي في القراءة والكتابة، أشعر حقاً أنني في أسعد حالاتي.
فإذا كنت أشارك بشكل دائم في الفعاليات الاجتماعية، فسيصير قلبي مندفعاً، وأتشتت بشكل تام، مما يضر ويؤثر سلباً على أكثر حالاتي سعادة، لذلك أرفض.
أشعر أن قراءة الكتب متعة كبيرة للغاية، حتى أنها تفوق متعة الكتابة، سبق وان قلت أن الكتابة هي نوع من الإنفاق، تنفق ما ادخرته، أما القراءة فهي مصدر دخل صاف، يزيد من ادخار المرء، ويجعل الإنسان يشعر بالثراء. فيصبح قلبك غنياً، ومن الطبيعي أن يصير قلبك هادئاً ساكناً.
إن الشهرة والثروة بالطبع شيئان جيدان، ولكنهما ليسا أفضل شيء. إن حظيت بأفضل شيء، وفي الوقت نفسه كانت حياتك المادية لا بأس بها، فبالطبع لن تتطلع كثيراً إلى ما هو أفضل.
يبدو لي أن القراءة لا يمكنها أن تجعلني أتمتع بمزاج جيد وحسب، ولكنها أيضاً تغذي قلبي، بل تحافظ على صحتي. من الأسباب الرئيسية لمرض الإنسان هي سوء المزاج والنفسية، والقلق، والاكتئاب، وضيق الصدر، والاضطراب، فهذا هو أسهل شيء يجعل الإنسان يقع فريسة للمرض. بما في ذلك السرطان، فإن مرضى السرطان قبل أن يصابوا به، يمرون دائمًا بفترة يكون فيها مزاجهم قلقاً ومضطرباً. لذلك المزاج الجيد هو من أهم عوامل الحفاظ على الصحة. فإن العمر المديد، هو شيء لا يمكن التحكم به، أؤمن أن عمر كل إنسان مكتوب سلفاً، قد حدده الله، حتى لو كنت شديد الحرص، فلا سبيل لك أن تطيله، وبالطبع إذا كنت مهملاً، فيمكنه أن يقصر بعض الشيء. وبهذا الشكل لا ينبغي عليك أن تكون حريصاً بشكل مبالغ فيه، فإن فعلت، سيضطرب قلبك، وعلى العكس لن تتمتع بصحة جيدة، ويمكن أن يقصُر عمرك.
أَكثِر من القراءة، فستمدك بالسعادة، وكذلك تعدل مزاجك وتحسّنه، أو ربما يمكنها أن تطيل من عمرك بقدر المستطاع. فأنت ترى أعمار الكثير من الجامعيين طويلة جداً، للسبب الذي ذكرت. أقول إن طريقتي الرئيسية في الحفاظ على صحتي هي الكتابة والقراءة، فهذا يجعلني احتفظ باستمرار بنفسية جيدة ومزاج سعيد، لو كنت أعيش حياة لا أقرأ فيها ولا أكتب، لصرت مسنّاً، لا تتطلعون إلى رؤيته.
القراءة يمكنها أن تغذي القلب، وتحافظ على الصحة، وأريد أن أضيف، إنها أيضاً تضفي جمالاً على الملامح. يمكنك أن تلاحظ من خلال ملامح شخص ما إذا كان يقرأ أم لا. فإن كونك شخصاً جميلاً أم لا، فهذا شيء غير متعلق فقط بالمظهر الخارجي، ولكن بالطباع والصفات أيضاً، وطباع الذين يقرأون والذين لا يقرأون ليست واحدة، تنعكس بداية من التعبيرات، والملامح، والسلوك. العديد من العلماء تقدموا في السنّ ولكن بجمال، مما يجعلك تذهل أن بوسع شخص ما أن يتقدم في العمر ويظل محتفظًا بمثل هذا الرونق.
أريد أن أضيف شيئاً أخيراً: القراءة يمكنها أن تفيد الأبناء. فإذا كنت ولي أمر، وكنت تمتلك حياة ذهنية نشيطة وكذلك حياة روحانية غنية، فمن المؤكد أنك ستؤثر بشكل رائع على أطفالك. خلال مراحل نمو الأطفال، يكون الوالدان هما أهم بيئة تحيط بهم، كما أن صفات الوالدين تشكل الجو الروحاني للأسرة. فإذا كان الوالدان يحبان القراءة، فبالتالي سيكون لذلك تأثير تدريجي على الأطفال أيضاً. إذا لم يكن الأبوان قارئين، ويتطلعان إلى جعل طفلهما يحب القراءة، سيكون ذلك صعبا جدا. من المؤسف في أيامنا هذه، أن العديد من أولياء الأمور يعرفون كيف يمنحون أبناءهم الحياة المادية، ويتجاهلون الأهم من ذلك، ألا وهي الحياة الروحية.
اذن يجب العودة الى طاولة القراءة، وتشجيع الجيل الجديد على فن الأستماع والأصغاء لأن القراءة بحد ذاتها، تدخل المتعة والبهجة لقلبك، فأنت تتابع احداث وازمان مختلفة وتسافر لبلدان لم تزرها من قبل وتقابل اناس لم تقابلهم من قبل، وتستمتع بمواقف لم تعشها من قبل!.
قال رسول الله (صلى اله عليه وآله وسلم): من سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل االله له به طريقاً الى الجنة" صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم".
القراءة تدفعك للنجاح دفعاً بأذن الله، فأنت طالما تستمر في القراءة فسوف تجد نفسك تنهل من خبرات كتاب مختلفين مما يضيف لك ويزيد من خبراتك ولهذا سوف تجد انك اصبحت اكثر حكمة وذكاء في التعامل مع مواقف الحياة المختلفة.. فأنت تضيف لخبراتك خبرة كل شخص تقرأ له!.
اضافةتعليق
التعليقات