كنت اعتقد أن الشعور الذي انطفأ في المرةِ الأولى لا يحيا بذاتِ اللهفة ولا العزيمة ولا ذات الكمال، مبتورٌ إلى حد ما الى حد التشويه، إلى حد أن نشعرَ بفقده وندرك أننا لن نعيشه ثانية واستحالة عيشه الى شيء اشبه بالمعجزة الى حد انني بت ابتسم حين احلم بشيء وأنطق: يا لسخافتي.. ماهذه الاحلام، هي استحالة..
عبارات الفشل كانت تلاحقني ككابوس ولكن هذه المرة على هيئة لسان يخرج من اعماق القبح ليستقر في مخيلتي ناطقا: (لن تستطيعي) حتى آمنت بذلك الاعتقاد وقدست ذاك اللسان لأنني ظننت انه يعلم ويقول الحقيقة ولم ينتابني الشك لبرهة انني مازلت امتلك الفرصة لتحقيق الحلم..
كان يوما اشبه باليأس وانا كتبي حولي كدائرة سوداء انظر اليها بتمعن، تارة اقول يمكنني اجتياز الاختبار والالتحاق بحلمي وتارة اقول يالسخافة تفكيري لن استطيع وهي تمتثل امامي بمنظرها البشع داخليا على عكس هيئتها الخارجية وهي تنطق كلمات اليأس بدل الأمل حتى تختم قولها: ستعودون جميعكم فمن لايجتاز اختباري حتما لن يجتاز الاختبار النهائي، أمسكت بهاتفي وبدأت أتصفح المواقع بعد ان انتابني الملل ثم ابصرت مقطع فيديو كان كطوق نجاة وكلماته كالسحر انصبت في اذني واوقدت شمعة العزيمة..
قدمت تلك الفتاة ورقة الاختبار للمدرس بكل استهزاء مبتسمة وهي تدرك من ان رسوبها حتمي ولكن ما جعلني اتفاجئ هي اجابة المدرس لها بعد أن تم تصحيح الاختبار حيث قال لها: (بالرغم من ان الاجابات كلها خاطئة لكنك ملئت كل الفراغات)، ردت عليه:
-ان استمريت بملئ الفراغات فربما يحالفني الحظ.
-هذا هو السلوك الايجابي الذي تتحلين به وهذا وحده جدير بالثناء.
اجابته مندهشه وشيء من الفرح رسم على وجهها.
-كم هو شعور جميل أن يثني علي المعلم.
-لكن اتعلمين أليست غريبة هذه المبالغة في اجاباتك.
-اتعلم كنت انوي تضييع وقتي بلا هدف.
-يتوجب عليك الان كتابة امنية حتى يتوجب عليها التحقق.
ولكن مازاد عزيمتها لتحقيق الحلم هو جوابه في اختبارها الثان حيث قال لها: (أليس هذا رائعا، اليوم هناك اجابة واحدة صحيحة اذن هناك تقدم نحو الحلم) كانت كلماته بمثابة ناقوس ينير طريقها حتى أدركت في النهاية حلمها.
ربما هي من اجمل المقاطع التي شاهدتها والتي برهنت لي اننا لسنا بذاك الفشل الذي لايمكننا اجتيازه لكن كلماتهم الفاشلة هي من تقتل دواخلنا وتقودنا نحو اليأس حتى بت اكره اللغة العربية فقط لانها هي من تقدمها، كانت لديها جملة قد اعتدنا عليها وهي تقولها بإستهزاء: (إن نجحتم او اخفقتم ماذا سأنال انا، ماهيتي ذاتها لن تزيدوني او تنقصوني) لكنها حتما لم تكن تعلم ان شرف المهنة وبأنها معلمة كفيل بأن يجعلها قبيحة بعيون الجميع وان كان مظهرها العكس..
كانت على عكس مدرسة الاجتماعيات حيث عند دخولها ورغم انها تعلم كل ألاعيبنا للماطلة وعدم شرح الدرس لكنها كانت تسايرنا فقط لتخبرنا أن الحالة النفسية اهم من ضغط بلا فائدة، مازلت اذكر كلماتي الاخيرة في رسالة الوداع اخبرتها أن من يزرع الورد يجني عطره ولكن هي زرعت انسانية فماذا ستجني ياترى.. حتما هي ستجني حب بلا حدود لدرجة اننا اعتقدنا انها روما الخاصة بنا وكل الطرق تؤدي اليها..
أثر الدعم المعنوي للتلميذ
إن فشل التلميذ يحدث نتيجة لأسباب كثيرة منها: إهمال التلميذ وعدم مساعدته وتحطيم معنوياته وتكرار كلمات الفشل على مسامعه، مثلا عندما نقول انت فاشل لاجدوى منك لن تنجح ابدا، هذه الكلمات كفيلة بهدم ثقته بنفسه مما يؤدي ذلك الى فشله وعدم استيعاب المادة، كذلك يؤثر الاسلوب الخاطئ من المدرسين في التعامل مع الطالب واهانته امام زملائه، حيث يزرع الحقد والغل في نفسه وكره الدراسة، وهذا بالاضافة للعوامل التي يمر بها البلد من الضغوط النفسية والتهجير والظروف التي اجبرتهم على العيش دون المستوى المطلوب، وهنا ايضا يجدون ذات الاساليب في المدارس فيدفعهم للفشل في كل مجالات الحياة وهدم ثقتهم بنفسهم التي هي العامل الرئيسي للتقدم..
فالفشل هو حالة قد تنتشر في المجتمع التعليمي اذا لم يعالج بصورة سريعة سيؤدي الى التسريب المدرسي وترك الدراسة فيضيع مستقبل الطالب وتنطفئ شمعته الدراسية ولن يسمع صوت الأمل لمستقبل افضل، لذلك اليوم نطلق ندائنا الى كل من يهمه أمر التلاميذ ونقول لهم عالجوا هذه الامور قبل ان يفقد التلاميذ مستقبلهم..
فالتعليم ليس مجرد تعليم للكتابة او لاعطاء معلومات مكثفة بل هو اخلاق وتربية قبل كل شيء، فاجعلوا كلمتكم مياها تحمي وتزهر بدل ان تذبل ما تبقى من قساوة الأيام، فعلا إن ماهيتكم لن تتغير إن فشل الطالب أم لا، لكن ذنوبكم ستزيد فرب العباد جعل للمعلم مكانة اكبر فهو من ينشئ جيل واع وجعل مكانة التعليم اعلى حيث ذكرها في أهمية العلم وقيمته في الإسلام ولم تكن البداية فقط في هذا الكتاب المعجز (القرآن) هي التي تتحدَّث عن العلم وقيمته وأهميته في قوله سبحانه: {اقرأ}، بل كان هذا منهجًا ثابتًا في هذا الدستور الخالد، فلا تكاد تخلو سورة من سوره من الحديث عن العلم، فالعلم يبني بيوتاً لا عماد لها.. والجهل يهدم بيت العز والكرم.
اضافةتعليق
التعليقات