من بين سنابل القمح، واغصان الزيتون خرجت تلك البدوية وهي ترتدي الفستان الاسود الفضفاض وقطعة قماش اسود تغطي جسدها النحيل، وعلى رأسها قاروة ماء، تغازل الشمس بسمارها العذب، تميل جنبا والطيور تميل معها، لفت انتباهي صوتها الشجي وهي تقطف الفاكهة والقاروة على رأسها، كل من حولها يعرفها حتى تلك الاشجار تقترب منها وتعطي لها الثمار بكل حب من دون ان تجرحها او تعصيها، اكملت طريقها نحو الساقية، انزلت القاروة من رأسها، دعكتها جيدا في الماء وملأتها واغلقت فاها وجعلتها تجلس على رأسها..
تابعت طريقها نحو البيت، اصوات الدجاج والاغنام تعلو من ذاك القصب، دخلت الدار ومعها الثمار والماء، انا في هذه المدينة ضيفة ايام وارحل منها، لكن قبل ان ارحل اود ان اتحدث مع نساء هذه القرية، فقد عرفن بالجمال والطيبة، سألت: هل يمكنني ان اتحاور مع النساء لبعض الامور، اجابني صاحب الدار: ان نساء هذه القرية يجتمعون عصرا عند حقولهم يجهزون الخبز ويعملون الاجبان، ابوابهم مفتوحة يمكنك زيارتهم والتحاور معهم..
الوقت مرّ ثقيلا جدا لانني كنت متشوقة جدا لسماع قصصهم واخذ العبرة والدروس منهم، سارعت في تجهيز نفسي ومعي جهاز التسجيل، حتى احتفظ بالكلمات وان حذفتها ذاكرتي.
اول بيت طرقتُ بابه هو بيت الفتاة التي رأيتها في الصباح الباكر، من دون ان يسألوني عن اسمي وهويتي فتحوا لي الباب وقدموا لي كأس من اللبن مع التمر، الفتاة كانت جالسة ملطخة بالطحين، رائحة الخبز تفوح من سماء هذا البيت، بدأت بالحديث معهم والجهاز كان يسجل تلك الاحداث، نصف ساعة وهم يعرفّوني بأسماء البنات واحفادهم، لا اخفي عليكم الاسماء كانت صعبة جدا واول مرة اسمع بها.
سار الحديث بيننا الى معاناتهم وما يرغبون بالحصول عليه في هذه القرية، ثمة اشياء كثيرة كانت تنقص جمال المدينة، ورغبت ان اسمعها من اهلها، لكنهم لم يعرفوا ماذا كان ينقصهم، استوقفني ان احد ابنائهم وهو في عمر كبير لا يعرف القراءة والكتابة، وعرفت ذلك عندما طلبت منه ان يكتب لي اسماءهم، هنا كانت الضربة القاضية بالنسبة لي، عائلة بهذا العدد لا احد منهم يعرف الكتابة!. سألت: الا يوجد مدارس هنا في هذه القرية؟، اجابت الام: على طرف المدينة وعند بيت الملأ كانت المدرسة، لكنها خالية من المعلمين ولايوجد منهاج لتعليم الاولاد، واعتمدت القرية على تعليم الملأ فهو يعلمهم بعض من سور القران الكريم مع اسماء الائمة عليهم السلام.
سؤال اخر يدور في رأسي، النساء اين يذهبن؟ كأنها تعلم بما يشغلني، فقطعت تفكيري بقولها: النساء هنا لا يعرفن القراءة والكتابة، الاباء يرفضون تعليم البنات، لقولهم ان البنت مصيرها الى بيت زوجها وان التعليم يجعلها ترفض عاداتهم وتقاليدهم، فعندهم التعليم لاهل المدينة..
لا املك غير الصمت والاستماع لهذه الخرافة التي تمنع ان تتعلم المرأة بحكم جاهلي، لو تحدثت لطردوني وقالوا جاءت لتفسد بناتنا.
رجعتُ الى الدار وانا افكر في حل لهذه القضية، والاهم كيف اقنع اهل المدينة بإرسال بناتهم الى المدرسة ان وفرتُ لهم معلمة ومنهاج، فالعلم يعمل على تنوير العقول ومعرفة ما يدور، وافقت المعلمة على اعطاء الدروس في القرية وان كانت المسافة بعيدة وقد تستغرق عدة ساعات للوصول اليها، لكن من اجل العلم وتثقيف النساء وافقت السيدة، وبأموال خاصة جمعت من اجل ترميم وبناء مدرسة في وسط الريف حتى يتمكن الجميع من الحضور..
عدة ايام ونحن نعمل وها هو اليوم الاخير من البناء وسيبدأ الدوام من الاسبوع القادم، طرقت ابواب القرية وسجلت اسماء ابنائهم، وبين القبول والرفض بدأ الدوام، بعد هذا الجهد كان العدد قليل جدا لا يتجاوز سبعة تلاميذ ومع مرور الوقت وصل العدد الى 50 تلميذ مع صف خاص للكبار.
ان تأهيل المرأة الريفية من واجب الجميع، فالمجتمع يحتاجها ايضا كما يحتاج الى بنت المدينة، لتكامل الأدوار في سبيل القضاء على الامية، ومن حقها ان تتعلم كما من حقها ان تمارس مهنة التعليم كباقي النساء فالعلم لم يكن حصرا على لرجال فقط، بل جميع الكتب السماوية والاديان كانت تحث على طلب العلم ونشره، فمن اين جاءت هذه العادات التي لا تمثل الدين، بل كرمها الدين الاسلامي وأعطاها حقّها في أمور كثيرة منها الميراث، والتعليم، وبرزت في العصر الاسلامي القديم مجموعة من النساء اللاتي قدمن اموالهن وانفسهن في سبيل الرسالة الاسلامية، ولم يمنع رسول الله (ص) من تعليمهن او خروجهن.
ازالة العوائق التي تمنع المرأة الريفية من التعليم
1- فتح مدارس وارسال معلمين ذي كفاءة عالية وخبرة للتعليم في هذه المناطق.
2- محاسبة الاهل في حال عدم قبولهم تعليم ابنائهم وان كان فقط المراحل الاساسية .
3- متابعة الانشطة المدرسية وارسال الكتب والاستماع الى معاناتهم.
4- توفير المكان المناسب والنقل ان كانت المسافة بعيدة حتى يتمكن الاهل من ارسال ابنائهم.
_5 تثقيف الطلاب على الادوات المستخدمة حديثا في المدارس من دون تفرقة بين طلاب المدينة والقرى .
(ومن خلال الحملة الجديدة التي أطلقتها وزارة التربية العراقية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونسكو) لمحو الأمية نجد أن البيانات المتوفرة تشير إلى أن نسبة الأمية تقترب من 20 بالمئة من سكان العراق وتقدر نسبة الأمية بين النساء بـ26.4 بالمئةمقارنة بـ11.6 بالمئة بين الرجال).
قررت الجمعية العامة للامم المتحدة وبموجب قرارها المرقم 136/62 الصادر في 18 كانون الأول 2007، ان الخامس عشر من شهر تشرين الأول هو يوما دوليا للمرأة الريفية، وذلك تسليما منها بما تتطلع به النساء الريفيات، من دور وإسهام حاسمين في تعزيز التنمية الزراعية والريفية وتحسين مستوى الأمن الغذائي والقضاء على الفقر في الأرياف..
وبالرغم من انخفاض إجمالي عمل المرأة، فإن نسبة السيدات اللواتي يعملن في الزراعة، من بين السيدات العاملات تتساوى عادة مع الرجل او تزيد عنه، وذلك مقارنة مع قطاعات اخرى حيث ان حوالي 60% من النساء العاملات يعملن في قطاع الزراعة حسب تقرير الجمعية العامة للامم المتحدة (فاو).
اضافةتعليق
التعليقات