في البحر لآلئ تغري الهواة, وعلى شاطئه يستلهم الملهمون اشجارا يتسلقون اغصانها نحو السماوات, لعلهم يتبخرون غيثا يسقي ارضا فتزهر حياة.
ومن ذلك البحر بل من ينابيع الكلمات, يطل على قلمي حبر الاخلاق الحميدة التي وسم بها الشعب العربي قبل البعثة النبوية, فالقبائل في اوج صراعها وانتهاكها للحرمات.. اتى اليها من نبي التوحيد ابراهيم, نور اشرق في ظلمة تلك الجاهلية... رسول للرحمة اعلن في نبوته انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق.
فكانت الاخلاق الكحل الذي ظل على جفن سكان الجزيرة العربية, ومن الاخلاق النبيلة كان الكرم والشجاعة والشهامة.
يقول احد شعراء الجاهلية المعروف بكرمه, والذي لم يدرك الاسلام مفتخرا بعفته, حاتم الطائي محدثا زوجه باخلاقه وصفاتها:
ماضر جارا يا ابنة القوم فاعلمي يجاورني الا يكون له ستر
بعيني عن جارات قومي غفلة وفي السمع مني عن حديثهم وقر
وهاهو عنترة العبسي المعروف بمعلقته يقول مفتخرا بعفافه في احدى قصائده:
واغض طرفي مابدت لي جارتي حتى يواري جارتي ماواها
اني امرؤ سمح الخليقة ماجد لا اتبع النفس اللجوج هواها
وجاء الاسلام مكملا المسيرة الاخلاقية, داعيا الشباب المؤمن الالتزام بها, فتجسدت كل مكارم الاخلاق بشخص النبي الخاتم محمد صل الله عليه واله, الذي كان مثالا للكمال الالهي والصفة الربانية والتربية السماوية, حتى جاء مدحه من قبل الله تعالى في سورة القلم (وانك لعلى خلق عظيم) حاثا المسلمين: (ولكم في رسول الله اسوة حسنة) وكما جاء في القرآن الكريم, جاء الذكر في السنة النبوية بامانة رسول الله , تلك الامانة التي يتحلى بها جميع الرسل والانبياء.
والاسلام هذا الدين السماوي وغيره من الاديان, وكل الدعوات دعت الرجل والمرأة الى الالتزام بالعفاف, هذه الخصلة التي ذكرتها الزهراء فاطمة معلمة لنا (اللهم اني اسالك الهدى والتقى والعفاف والغنى).
وليست العفة الخلق الوحيد الذي عرف به العرب ومجده الاسلام بل ان احاطة المسلم نفسه بمكارم الاخلاق والتمثل بها متتبعا الكلمات النورانية بالتطبيق العملي هو الواجب عليه ما استطاع اليه سبيلا.
فهاهو ذا امامنا زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام قد افرد لمكارم الاخلاق دعاء في صحيفته السجادية.
وكم هي الاحاديث الشريفة التي ذكرت الاثار المعنوية والمادية لمكارم الاخلاق وايجابياتها وثمارها.
فلا قرين كحسن الخلق ولاعيش اهنأ منه, وهو ثمرة العقل كما ورد عن الامام علي عليه السلام, وافضل مايوضع في ميزان امرئ يوم القيامة.. وهو رأس كل بر.
ومن خصال الايمان: الكرم وان كان ليس صفة خاصة بالمسلمين, ولكن من حسن الاسلام الاتصاف به, فهاهو احد شعراء الجاهلية المسمى بالشنفرى يقول لابن عم له يصفه بالكرم وبعد الهمة والاتكال على النفس:
واني لمهد من ثنائي فقاصد به ابن عم الصدق شمس بن مالك
اهز به في ندوة الحي عطفه كما هز عطفي بالهجان الاوراك
واذا كانت هذه صفات العرب في الجاهلية, فماهو مقدار صفات رسول الله صل الله عليه واله واهل بيته وهم خير خلق الله! جاء في نهج البلاغة قول الامام (ان لله عبادا يختصهم بالنعم لمنافع العباد فيقرها في ايديهم مابذلوها...).
ويقول عليه السلام لكميل بن زياد: (يا كميل.. مر اهلك ان يروحوا في كسب المكارم ويدلجوا في حاجة من هو نائم, فو الذي وسع سمعه الاصوات ما من احد اودع قلبا سرورا الا وخلق الله له من ذلك السرور لطفا فاذا نزلت به نائبة جرى اليها كالماء في انحداره حتى يطردها عنه كما تطرد غريبة الابل).
ولعل كرم المال لايسع يد كل انسان, ولكن كرم الاخلاق في وسع الجميع.
واذا كان نبي الخلق الكريم وخليفته واهل بيته عليهم صلوات الله وسلامه يدعوننا الى قضاء حوائج المحتاجين, والى الكرم والعفة وهم اكمل من يتصف بهذه الصفات, فهناك في عالم القبر والبرزخ حيث لا ستر وحيث ضيق اليد واحوج ما نكون لله ورحمته وشفاعة المؤمنين, حينها ستتوهج الجوهرة الالهية التي اتحفنا الله بها محمد واله, ليكونوا شفعاء لنا من ذنوبنا وسيئات اعمالنا, فنعود كما الماء الاول الذي عجن بالتراب فكنا.
ايتها الارواح الزكية والاهواء الطيبة والنفحات الربيعية اشرقي حنايانا واغسلينا طهرا ونقاء انا الى الله راغبون.
اضافةتعليق
التعليقات