قرب بحيرة تتلالأ فيها الأنوار أشجار خضراء منتشية بزقزقة العصافير يطل من بعيد جبل مغطى بثلوج وشجر سرو وصنوبر، أمام مشهد كهذا يقف الانسان خاشعا لاصوات الطبيعة ومشاهدها المختلفة .
ماذا يمكن للانسان أن يتأمل واي عظمة تتجلى لله في خلقه، وفي دعاء للإمام الحسين عليه السلام يقول فيه: عميت عين لا تراك.. وفي حديث اخر للامام علي عليه السلام في دعاء يقول فيه: تراني ولا اراك ولا رب لي سواك...
وهكذا فكل المخلوقات صنع الله وتجليات لعظمته ورأفته وجماله وكما يقول كل مسلم عند دهشته سبحان الله أمام مشاهد لطبيعة أو حضور موقف نتذكر بإيمان الفطرة عجزنا وعظمة الله، إنها الفطرة التي خلقها الله فينا، فطرة التوحيد .
وبداية التوحيد ورحلته بدأت مع نبينا ابراهيم عليه السلام وهو الذي سمانا بالمسلمين... بدأت عندما ابتلاه ربه بكلمات فأتمها ابراهيم وخاطبه ربه: اسلم، فقال: اسلمت لله رب العالمين، فكانت ملته ملة ابراهيم الملة التي يدعو اليها الله سبحانه عباده للإنضمام اليها وهو الله الذي اصطفى ابراهيم وجعله في الآخرة من الصالحين، ثم ما لبث أن أقام ابراهيم وابنه اسماعيل قواعدا لبيت الله وهناك دعا لنا بدعوة كانت فيها إشراقة رسول الله صل الله عليه وآله علينا حيث دعا ربه أن يبعث لنا رسولا يعلمنا الكتاب والحكمة ويتلو علينا آياته ويزكينا، ومن هنا كانت ملة ابراهيم الملة التي نعول عليها للنجاة يوم القيامة من النار وجحيمها.
ورحلة التوحيد لم تنتهي ولن تنتهي حيث وصى ابراهيم وبنيه أن لا يموت أحدهم إلا وهو على الإسلام وصارت الوصية نفسها ليعقوب وبنيه وهكذا يوصينا الله بما يوصي ابراهيم بنيه ويعقوب .
أمام مشاهد عظيمة تثبت ارجحية ديننا الحنيف سواء مشاهد كنا فيها غائبين أو حاضرين يقظين أم غافلين تشرق مع كل ما تراه العين وحدانية الله ولو كان فيهما غير الله لفسدتا .
إن الثبات على هذه الملة يتطلب من الإنسان المجهود الكثير أمام التيارات والعواصف ومن هنا كان دعاء الغريق ينجينا اذا ما استجاب الله دعاءنا: يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك..
لم يتركنا أئمتنا وهم حبل النجاة والعروة الوثقى وورثة علم الكتاب إلا وقد بينوا لنا طرق النجاة عبر الدعاء تارة وعبر التفكر تارة أخرى وكلها في سبيل الفوز بجنان النعيم وجنان النعيم هذه ليست جنان أخروية فحسب وإنما هي إمتداد لاعمال الإنسان في دنياه، فقد يرى الإنسان نفسه ومكانه في الجنة وهو في هذه الدنيا حيث يقول الله تعالى: (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الانهار كلما رخزقوا منها من ثمرة قالوا هذا الذي رزقنا به من قبل واوتوا به متشابها ولهم فيها ازواج مطهرة وهم فيها خالدون)، لذلك يقول ائمتنا انكم خلقتم للبقاء لا للفناء.
إن محبة الله سبحانه للبشر ليست كأي محبة فهو لم يكتف بإرسال الأنبياء وإنزال الكتب وتبيين النهج الموصل للسعادة فهو أيضا مع ذلك أوضح لمن لا يسلكون الطريق الى أنه أرحم الراحمين لعباده الضالين .
كما إنه قد فضل أمة الإسلام بأفضل الأنبياء والمرسلين وخصه بالمحبة من بين الأنبياء كأنه يفتح لنا أبواب السماء على مصاريعها، أبواب الرحمة الإلهية والمحبة، لذلك فإن الإمام زين العابدين يطمح لما يطمح من محبة الله، وحديث المحبة حديث طويل يقول الإمام: (اللهم اجعلني احبك واحب من يحبك و احب كل عمل يوصلني الى قربك وان تجعلك احب الي من سواك وأن تجعل حبي قائدا الى رضوانك وشوقي إليك ذائدا عن عصيانك).
وتقريبا فاننا نرى الحب سبيلا للنجاة في كل التفاتة وقد قال الإمام الصادق حينما سئل عن الحب كان جوابه: وهل الدين الا الحب.. ولكن ليس اي حب وليس إي محبوب يقول الله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله اندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله) لذلك فوحدانية الحب تتطلب من الإنسان أن يقف أمام نفسه ويرى قلبه وميله أهو يحب الله واولياؤه أم إنها مجرد دعاوى فكل يدعي وصلا بليلى وليلى لاتقر لهم بذاك.
فليس من المهم أن ندعي حب الله بقدر رغبتنا أن نكون أحباء لله أن يحبنا الله هو المهم والاهم حيث يقول الله: اذكروني اذكركم.. فأي ذكر لله لنا وأمام من ومع من تبقى، هناك الكثير من الأسئلة التي يبعثها القرآن فينا مع كل آية تدعونا للتفكر أكثر فسبحان الله وبحمده وتبارك الله سبحانه.
اضافةتعليق
التعليقات