في دوامة الحياة كلٌّ وابتلاؤه وتتنوع الامتحانات لتمحص الإنسان ولتعرفه على نفسه وقابلياته وأحيانا لتلقنه درسا علّه لا يكرر فعلة معينة وأخرى أشد وطأة تكون لترفع من منسوب الإيمان عند الفرد وغيرها تكون قاصمة الظهر كنوع من تأديب الشخص وتلك التي تتجسد بالفقد لتذكره بعبارة قالها سابقا: إذا فقدت فلانا سأموت!. وها هو يعيش ويكمل مشوار حياته وبأفضل حال لا يستغرق منه ذكره سوى ساعة ويتدرج ليكون حسرة فقط ومع كل هذه الابتلاءات تجد سؤال (ليش) يتقافز إلى الأفواه ترافقه نبرة جزع أكثر مما تراد به إجابة ويبدأ الاعتراض لماذا أنا لماذا ليس غيري لماذا بالذات هذه القضية الأقرب لقلبي لماذا هذا الشخص الذي هو روحي أو لماذا هذا الأمر انتهى بالخسائر ألم تكن المقدمات جيدة أليست الخطة محكمة.
ثم يوجه النظر للجميع بأنهم لم يصيبهم ما أصابه وإنه الوحيد الذي مرّ بهذا البؤس حتى وإن رأى الجميع يشبهونه الوجع ذاته لكنه يظن أنه فيه أعمق، لأنه واقف في العاصفة، وسؤال واحد يتكرر كأنه يبحث عن عدالة مغيبة: ليش؟
لا كطلب معرفة، بل كاعتراض خفي، كرفض داخلي لا لما حدث فقط، بل للطريقة التي حدث بها. نحن لا نبحث عن الجواب دائماً، بل نبحث عن مَن نلومه، عن تفسير يخفف وجعنا، عن شيء نقبض عليه فلا نشعر بالضياع، لكن الحقيقة؟ بعض الأجوبة لا تأتي أبداً، وبعض الجراح لا تُشفى إلا حين نتوقف عن طرح السؤال.
وهنا، يظهر الإيمان، لا كدرع يصدّ الألم، بل كمنارة تهدينا حين نضيع، الإيمان لا يُلغي الصدمة، لكنه يُحوّلها إلى باب نضوج، لا يُسكت "ليش"، بل يعلّمنا أن نسألها بأدب، أن نحملها إلى السماء لا إلى الأعماق المُظلمة، الإيمان هو ذاك النور الذي يقول لنا: الصبر رأس الايمان، و"إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" "وبَشرّ الصَّابِرِينَ".
وفي لحظة صفاء، حين تخفت الأصوات داخلنا، يبدأ القلب بالتصالح مع الفقد، لا لأن الألم اختفى، بل لأننا أصبحنا نراه من زاوية أخرى، الإيمان يُبدّل الألم إلى طمأنينة، والخسارة إلى حكمة. ومن كان يسأل "ليش؟" باحتجاج، يبدأ بالتسليم قائلا: إلك يارب حكمة وبيها فرج.
وهنا فقط، يهدأ السؤال، لا لأنه وُجد الجواب، بل لأن صاحبه وجد السلام.
اضافةتعليق
التعليقات