بدأت تغيب الشمس معلنة نهاية رحلتها، فتخرج النجوم من مخبئها الازرق، التي كانت مخبأة فيه، قد سترت غالب وجهها بالبريق اللامع، خرج عليها القمر وفضح أسرارها ليكشف سر جماله الذي فتن الجميع به، بينما يتهيأ القمر ليجلس وسط السماء، فيدخل السرور والبهجة لقلب المتأمل، بهدوء فتحت النافذة، سحبت الستارة، وبدأت اُخرج دفتر خواطري، واوراقي المتناثرة، خربشات فتاة يائسة من عمرها، خواطر وشعر، هذه الحروف كتبتها عندما كنتَ غائباً عن سماء دنيتي ايها القمر المغرور، اسحب الاوراق واحدة بعد الاخرى، اقرأها وانثرها في ظلام الليل، لعل حرف واحد يخرج للنور.
لكنها كعادتها تحتضنها السماء وتخفيها بين نجومها، ويلون حبرها السماء فتصبح زرقاء لامعة، يخطر ببالي ان اتسلق نحوها لخطف تلك النجوم وجعلها في الارض تنير حياتي كما تنير السماء المضيئة! وقفت انظر إليها والدُّموع على وشكِ الانهمار، تخطيت بثقل، وتمرد في داخلي، لعل ورقة واحدة تسقط! اسير في هذه العتمة و يسير معي اليأس و الكثير من الألم في شغفي، لم اعد اتحمل هذا البعد، باتت الليالي صفراء شاحبة، تهزها الشمس ويتمرجح على ليلها القمر.
سنين الغياب كثرت، وأصبحت أنا في عدها عجوز تضحك عند اول ظهور لغائبها، متحيرة مذهولة لا اعرف اين اتجه، لا السماء توصلني، ولا الارض تقلني، أ في رضوى أو طوى، أين هو؟ ماذا لو اغمضت عيني من دون ان اعرف اين أنا، ومن انا، وعلى ضجيج الملأ افتح المُقلتين.
في منتصف ذلك الحلم، وبين كل تلك الامنيات المعلقة، جاءت سَبْعٌ الِعجَاف واكلت ايامي، دموع متحجّرة في مقلتي، لا اعلم ان كنت قادرة على اخراجها، او يمكنني الاحتفاظ بها، تبقى متعلقة تنتظر!، خلجات الحزن تتكسر في قاع صدري، اظنها لن تنتظر طويلاً سيأتي يوم وتذرفها، استحضر الرسائل التي كتبتها في غيابه واعلقها على حافة النجوم، وبين زفرة الروح وحسرة القلب، انطلقت تلك الكلمات من قارورة الجسد، هل تغفى عيني وعينك ساهرة، اتوسد الفراش واغلق عيني و كأني لم افعل شيئا هذا اليوم، والاكثر حزناً صحيفة اعمالي السوداء التي تقلبها الآن بين يديك، يا خجلتي و يا سوء حظي،!. لأي شيء اعتذر منك، لغفلتي لجهالتي...
لم تكن الليلة الأولى، وأنا على يقين أنها لن تكون الأخيرة، التي ارتّل فيها حروف الشوق وآيات الهيام، ولكني مضيت في حياتي ولم أسأل، ان كنت قريبا مني أم بعيد، ترى صورتي أم حجبتها اعمالي، سمعت صوتي مع اصوات المضطرين، لمَ هبطت يدي من دون نظرة مباركة، تائهة أنا دُلني عليك، أغرقتني المعاصي وكسرتني شهوتي، وحبستني عنك ذنوبي، هل لي برؤية،!. ام أموت بغصة الغياب.
جسدي مرهق وعيوني ذابلة، ومازال معي الكثير من الرسائل التي لم أرسلها بعد، ارتعشت يدي و كدت اسقط من أعلى النافذة، دفعتني الرياح للخلف، كأنها تنبهني ان السقوط سهل وممكن، ولكن لا بد من افاقة وقيام بعد هذا السقوط، حينها قطعت عهدا على نفسي انني لن اقع في مغريات هذه الدنيا واعمل ما يرضي غائبي ويجعل ظهوره قريبا.
استجاب القدر لندائي في تلك الليلة، استبشرت السماء بعهدي، وفتحت النجوم اقفالها، نثرت النصوص وزينت الارض بحبرها وورقها، كعروس نثر عليها الورد الابيض، وتغاريد الاحبة كانت تسابيح الملكوت، مددت اصابعي للامساك بتلك الورقة، تدانت لنافذتي، اهبطت رأسي وأمسكت بها، رسالة من السماء، امطرت السماء، قبّلتها وعرفت انها من يوسف الزمان، قبّلتها فكانت قميص يوسف، ردت الي بصيرتي العمياء، وعبق عطرها فاح في النفس، كزليخة رجعت في عصر الغياب فتاة لم تبلغ من المعاصي ثوب البلوغ، ترتجف اناملي وانا احاول فتحها، علت ابتسامتي ودمعتي في آن واحد ومررت بها على قومي، انظروا ماذا وجدت، انها رسالة من الغائب الذي انتظرتموه طويلا: (إنّا غيرُ مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء، اصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جلّ جلاله وظاهرونا). (بحار الأنوار ج53 ص175).
اضافةتعليق
التعليقات