يقف المغتصبون أعلى المنصة ويجردون القسم الأكبر من المجتمع من ثياب الوعي والدين والعادة فتهرب القيم مختبئة بعباءة رثة تبحث عن ركن وثيق يأويها من رياح العار التي تلاحقها، وبينما تصرخ الفتاة طالبة حرية الجسد مجردة إياه من أي فكر أو وعي يقف الصبي بجانبها معلقا على رأسه قرنين يكادا أن يكونا من فولاذ صلبان لا يؤثر فيهما دين ولا عادات يصفق لها كلما زاد قِصر القماش وظهر البدن بمظهر عاري لا يمت للتطور بصلة تحت غطاء تطوري من مفهوم ثالث هم ادركوه.
بينما الحقيقة مختلفة فكلما تطور الانسان كلما ادرك ان الجهل كان عاريا لا غطاء له، وهكذا نحن اليوم في عالم مليء بالغضب أينما نظرنا، نرى القيم تتصادم وتتصاعد، بطرق تبدو مسعورة، بلا هدف، وقاسية في الوقت نفسه ، تغتال ماتبقى فينا من الاخلاق محاولة تجريدنا من فطرة كوَننا الله عليها، ومن قام بالاغتيال اشخاص متمرسون، مدربون، يعرفون نقاط مقتل الإنسان في جسده، ويعلمون مدى هشاشة كل عضو من أعضاء الجسم في مواجهة الفكرة، خبراء في تحديد المسافة لكل نوع من أنواع الجهل و التجهيل، ويعلمون بدقة طبيعة افكارهم ومدى فتكها بالعقل البشري .
وكما جرت العادة، فإن الاغتيال الفكري كان لا بد أن يستتبع باغتيال الذكرى وتشويه الصورة، وبدأ كل ذلك بحملة ممنهجة في الإعلام وتسيير دفة الرأي العام لتبرير اغتيال سليم على عقولنا وتعقيد العقل العربي وتغيير المفاهيم الاسلامية وضياع التقاليد السليمة فنجدنا دون وعي قد مكثنا في قاع الجهل نضحك باصوات عالية في وسط القطيع ننعق خلف كل ناعق، ذلك هو القسم الثالث الذي ذكره الامام علي (عليه السلام) في إحدى وصاياه إلى كميل قائلاً: "كميل احفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق".
وهو ما يبين مدى جهلنا ونحن نسير في طريق العلم دون النظر إلى نوره فلا نستضيء، ومازلنا نسير خلف آليات رسمها جنود مختبئين خلف شاشات ما ظننا يوماً أنها ستؤثر ولو قيد شعرة حتى تساقط كل شعرنا ومشاعرنا ونحن ننظر لهذا القيد الذي وصل إلى أعناقنا فبدأنا نجامل وننافق في كل شيء حتى الدين وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين في حديثه إلى كميل حيث بين تقسيم الناس بغاية الصحة ونهاية السداد.
لأن الإنسان لا يخلو من أحد هذه الأقسام الثلاثة التي ذكرها مع كمال العقل وإزاحة العلل، إما أن يكون عالمًا، أو مُتعلما، أو مُغفلاً للعِلم وطلبه ليس بعالم ولا طالب له. وان اصل ما نود توضيحه هو القسم الثالث: فهم المهملون لأنفسهم، الراضون بالمنزلة الدنِية القابلين للعار وصمة تلوح للسائرين على جبهتهم ، التي هي الحضيض، وعدم التوفيق، والحرمان وما أحسن ما شبههم الإمامُ علي بالهمج الرعاع، والهَمَجُ: هو البعوض وبه يشبه دناة الناس وأراذلُهم، والرعاع المتبدد المتفرق، والناعق الصائح، فتخيل أن يحمل الانسان كل هذه الصفات مجتمعة في جسد واحد ويرى نفسه في مرآت عينه فاهم متطور بينما هو الأرذل بين الخلائق كلها ونهايته سعير لامفر منه.
وهذا ما أشار إليه الامام الصادق (عليه السلام) في قوله: (الناس اثنان: عالم ومتعلم، وسائر الناس همج والهمج في النار)، فلو نظر الانسان منا وتمعن لحظة واحدة في ما ذكر وما كتب وما أذيع في شتى الطرق والوسائل لوجد أنه أقرب للصلاح وما كومة الذباب حوله سوى سراب تم نشره لإخراجه من فطرته والذهاب به نحو عصيان لا يدركه فيعتاد عليه حتى يصبح الذنب فكرة مطروقة تروق للجميع، والمعصية حرية شخصية لا أهمية لها في وضع الرضا بما هم فيه، والفساد ماهو إلا اليوم العادي الذي يعيشه.
بينما تتراكم العادات والقيم والدين في صندوق أسود محكم مرمي في زاوية النفس لا يدرك مكانه المخالفون إلا حين تود أن تزهق الروح منهم فيقولون ياليتنا ولكن حينها لا تنفع ليتَ عند اقتراب الأجل، فالحمد للهِ الناشئ فِي الخلق فضله والباسط فيهم بالجود يَدَهُ نحمده فِي جميع أموره فهو الذي جعل لنا الشمس دليلاً ساطعاً وبعث فينا أناس كلمتهم تسير عبر العصور نوراً لا يضاهيه نور فإن زلت قدمنا في الأمس فما زالت رحمة ربنا تشير إلى أنفسنا إن الروح هنا اليوم أو غدا وحتى يوم الأجل فانتبه وعد إلى فطرتك السليمة واترك خطوات الشيطان فهي الهلاك وإن زانت بها أيامك
اضافةتعليق
التعليقات