"الكتاب هو الأكثر دهشة بين كل الأدوات التي اخترعها الإنسان طوال تاريخه، إذ أن بقية الأدوات هي امتداد للجسد، فالميكروسكوب والتلسكوب امتداد لرؤية الإنسان، والهاتف امتداد لسمعه، المحراث والسيف امتداد لذراعه، غير أن الكتاب امتداد لشيء آخر، امتداد للذاكرة والمخيلة” (بورخيس).
لهذا يعتبر الكتاب من إحدى الوسائل المهمة التي من خلالها تنقل ثقافات الشعوب وعاداتها وأفكارها وآراءها بين البلدان برغم اختلاف اللغات.
ويتم ذلك من خلال ترجمة الكتاب إلى لغات مختلفة كي يتمكن الناس على بعد قارات وبلدان أخرى الى التطلع عليه ومعرفة ما يجوب في خفاياه من أفكار هذا الكاتب الذي يعيش كل هذا البعد عنهم.
وتكتسب الترجمة مكانة هامة في مجال انتقال العلوم والفكر والأدب من مجتمع إلى آخر للأسباب التالية:
1- الترجمة محرض ثقافي يفعل فعل الخميرة الحفّازة في التفاعلات الكيماوية، إذ تقدم الأرضية المناسبة التي يمكن للمبدع والباحث والعالم أن يقف عليها ومن ثم ينطلق إلى عوالم جديدة ويبدع فيها ويبتكر ويخترع.
2- تجسر الترجمة الهوة القائمة بين الشعوب الأرفع حضارة والشعوب الأدنى حضارة.
3- الترجمة هي الوسيلة الأساسية للتعريف بالعلوم والتكنولوجيا ونقلها وتوطينها.
4- الترجمة عنصر أساسي في عملية التربية والتعليم والبحث العلمي.
5- الترجمة هي الأداة التي يمكننا عن طريقها مواكبة الحركة الثقافية والفكرية في العالم.
6- الترجمة وسيلة لإغناء اللغة وتطويرها وعصرنتها.
وفكرة التدوين والترجمة ليست جديدة علينا وعلى ثقافتنا، فهنالك آلاف الكتب الغربية المترجمة التي تزدحم بها مكاتبنا العربية اليوم، وشهرة الكتّاب الأجانب انتقلت الينا وأصبحنا نعرفهم ونعرف أسمائهم وافكارهم من خلال كتبهم التي وصلت الينا وهي مترجمة إلى اللغة العربية..
ولكن مع بالغ الأسف فإن الترجمة في الوطن العربي لا تضاهي شيئا مقارنة بالبلدان الأخرى، "فوفقاً للبيانات الواردة في تقرير صادر عن الأمم المتحدة فإن إسرائيل تقوم بترجمة حوالي 15000 كتاب سنوياً إلى لغة ميتة أصلاً هي اللغة العبرية، في حين لا يزيد عدد الكتب التي تقوم الدول العربية مجتمعة بترجمتها إلى اللغة العربية - اللغة الحية- أكثر من 330 كتاباً سنوياً. وهذا يثبت أن ما يترجمه العرب من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية ضئيل جداً مقارنة بما يتم ترجمته إلى اللغة العبرية أو ما يتم ترجمته إلى اللغة الإسبانية أو باقي لغات العالم."
وبالإضافة إلى ضعف حركة الترجمة في الوطن العربي فإننا نعاني من ضعف في لغة الترجمة، إذ إن الكثير من الكتب التي ترجمت إلى العربية فقدت قيمتها اللغوية والأدبية بسبب ضعف الترجمة.
"هنا يختلف التأثير والتأثر، فالكتب العلمية لا تحتاج إلى مبدع، لأنه ينقل نصوصاً ونظريات علمية شبه متفق على كيفيتها، أما الأدب والفن الأدبي الإبداعي فهو أكثر حذراً، لأن المترجم ربما قتل النص بترجمته إذا لم يكن من أهل ذلك الفن كالروائي والمسرحي والشاعر ونحوه. على كلٍّ، فالكتب المترجمة لها أثر واضح في تغيير مفاهيم وترقية عقليات وبالعكس أيضاً بحكم طريقة التناول والإقناع للقارئ".
وهذا يعود إلى ضعف مستوى المترجم، فما نحتاجه اليوم هو:
- زيادة حركة الترجمة في الوطن العربي ورفع مستوى المترجمين من ناحية اللغة والصياغة والمفهوم، بحيث يحافظ الكتاب على معناه وصبغته الأدبية والعلمية في نفس الوقت.
-إقامة المحافل والمسابقات التي تتبنى أفضل كتاب مترجم وتكريم المترجمين الأوائل وتشجيعهم على إعطاء أفضل ما عندهم وتحفيز الباقين على تقديم مستوى أفضل.
-المام المترجم بدهاليز اللغة التي يقوم بترجمتها وخصوصا المصطلحات التي يحتويها الكتاب، كالمصطلحات العلمية سواء في مجال الطب أو الهندسة أو الاقتصاد وحتى المصطلحات الأدبية منها.
-مع تقدم مستويات اللغة فمن المهم جدا أن يطور المترجم نفسه ويتعاصر مع المفردات والمصطلحات الجديدة والتناغم معها بمفردات شبيهة في لغة أخرى للتوصل إلى نفس المفهوم.
-الاختصاص في مجال الترجمة بالنسبة للمترجم هو أمر ضروري جدا ليكون بشخصه فاهم لتفاصيل اللغة وطرق التصرف بالكلمات والأمثال والأحكام... الخ.
ولكن بالطبع الهواية والشغف أمران ضروريان أيضا، لا يختلف عليهم أي مترجم، فالكاتب يعرف أساليب اللعب بالكلمات وكيفية التصرف بها عكس غيره من الذين يمارسون الكتابة من باب العمل وليس من باب الهواية والحب، وكذلك الترجمة تتطلب الهواية والشغف في ممارستها.
-تقييم الكتاب المترجم قبل طباعته وطرحه في الأسواق بطريقة جدية أكثر، إذ إن الكثير من الكتب المترجمة لعبت دورا سلبيا في تقييم الكتاب الأصلي، وأفقدته قيمته الحقيقية..
ومادامت الترجمة تعكس ثقافات الشعوب وتثقل ميزان وعيها إذن من المهم جدا الالتفات إليها أكثر، وتطوير قدرات المترجمين الإبداعية والتركيز على ترجمة الكتب الثرية التي سترفع من السقف العلمي والأدبي للأجيال العربية، للارتقاء أكثر بمستوى الطبقات القارئة والمحبة للكتب.
اضافةتعليق
التعليقات