في مجتمعات رأس مالها الانسان تهب كثبان الجهل فتحمل معها جمع كبير يعيش حياة دائمة في الشاشات يلهث وراء سراب في صحراء قاحلة صممت بشكل يسلخ الانسان عن واقعه فيعيش حياة مواقعه يرضع يوميا الأوهام التي تسوقها منصات التواصل الاجتماعي المليئة بالزيف، التي تدفق كما هائلا من المحتوى المفرط في تقديم صور العيش الرغيد ونمط حياة المجتمع المخملي الذي لا يتوافر في بيوت المشاهدين والمستخدمين.
مما يجعل من هذا الجيل جيلا فصاميا هشا، غير قادر على مواجهة صعاب الحياة وينظر إلى الأفق فلا يجد نفسه، تائهاً وراء نسخ راق له وصورة اثرت فيه متناسياً ان الحياة لا تسير بالعاطفة فقط ولو كانت هكذا لما خلق الله العقل وجعله في مركز الجسد لعل الانسان ينتبه انه عليه تفعيل هذا العقل فمن دونه إن هو إلا آلة تسير حيثما تهب الريح ولو كانت إلى جهنم.
ففي الأمس القريب انتشر مقطع لكلب ينبح بحزن مزيف وحوله جراء صلِفة وبجانبهم رجل يمسك عصى حق تصلبت من كثر غضبه وهو يبعدهم عن الجهة الأخرى وما إن انتشر المقطع حتى كتبت صديقة الكلب عليه انظروا الظلم فلا يتركون هذا الحيوان يعيش بسلام في ارضه التي ولد حديثاً بها جراءه.
فانطلق المغردون على أشكال الجهل توزعوا وكل منهم أضاف كلمة وآخر طلب رقم صاحبة الكلب ليتبنى قضيته ومساعدته حتى انتشر العواء في كل ارجاء المنصات ، وبعد قليل رد صاحب العصى بالمشهد من الجهة المجاورة حيث طفل صغير بانت عظام يديه من كثر شراسة الكلب وجراءه وقد قطعت اجزاء من جسده والدم يملأ المكان.
فعاد نفس المغردون ببرود يقولون لو لم يؤذي الكلب لما تقدم نحوه ، واخر يلوم صاحب العصى فيخبره ان اسعف الطفل واترك الكلب فهو لايفهم ، والاوقح فيهم استنكر ضاحكاً قائلاً : اهذا ردك على الحيوان وتهديده كم انت فارغ، وما هي الا مسرحية لينتشر صيتك انت وعصاك البالية ، و البقية من ثلة الجهلة كرروا ما كتب فقد اعجبتهم اللغة وراق لهم الفكر البالي ففي النهاية الاغبياء على اشكالهم يجتمعون تراهم منكبين على الشاشة والواقع الافتراضي بشراهة زائدة غير آبهين لواقعهم الحقيقي متجاهلين لمخاطبة الحاضر والماثل أمامهم.
فعلى الأرجح ستقودنا مواقع التواصل الاجتماعي إلى كتابة نهاية التجربة الإنسانية في سجن انشأته بلا جدران ولا قضبان هو فقط يقيد الانسان من عقله ويجعل خصلة التسرع والعجلة فيه هي الحاكمة ، وبما اننا اليوم في عالم صناعة الشائعات، بحيث لا نميّز في كثير من الأحيان بين الأخبار الكاذبة والصادقة علينا التروي في تصديق كل ما يصل إلى السمع وقبوله، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه إلى مالك الأشتر لمّا ولّاه مصر أنّه قال: "ولا تعجلنَّ إلى تصديق ساعٍ، فإنّ الساعي غاشّ وإن تشبّه بالناصحين".
فالإنسان بحاجة إلى التريث حتى تتضح لديه جوانب الفعل الذي يريد أن يقدم عليه حتى ولو كانت كلمة يطلقها على منصته في التواصل الاجتماعي فهي كفيلة بان تجر ورائها جمع ممن يثق به وجهل مما يحيط حوله ، فالإنسان بحاجة إلى تقييد لسانه وعدم تركه حرا طليقًا، فكلماته وقوله محل محاسبة وجزاء، قال الله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ ، فهناك مَلَكان يكتبان ويسجّلان ما يقول لذلك عليه في كل موقف أن يرى هل هذه الكلمة او الفعل مفيد أم لا ، أو هل هناك حاجة لتقديمهما ، أو هل صدورهما كعدمه، أو هل يحملان ضررًا على قائلهما أو الآخرين.
الكثير الكثير من الاسئلة الشائكة التي يجب عليها تقييد الشخص قبل ان يتقدم خطوة واحدة وهذا ما اكد عليه القرآن الكريم في عدم الانسياق وراء كلّ خبر وتصديقه من الوهلة الأولى، فقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ .
فالآية ترشد إلى أنّه لا بدّ من تبين الخبر بالبحث والفحص والتأني بدل المرة مئة فلعل في احدى لحظات التأني تظهر الحقيقة واضحة، ومن المعلوم أن البحث لا يكون في ظل العجلة والتسرع، وانما يتوافق مع التأني والتريث، وفي النهاية انما خلق الله الانسان حراً ذو عقل رشيد يستطيع فيه ان يميز بين الحق والباطل ولو كان قيد شعرة واحدة لا ترى بالعين المجردة فهذه فطرة فينا ما ان ابتعد الانسان عنها حتى تاه في صحراء لا نهاية لها جرداء بلا ماء وكل مافيها ان هو الا سراب تراه اعين الجاهلين ، وهنا عليك ان تحدد اتود في النهاية وعد الله وجنانه ام انك تبحث عن سراب زائل؟.
اضافةتعليق
التعليقات