شيء غريب أحسسته وأنا أحاول رفع الغطاء من على رأسي، هناك ثقلا يدب في أعماقي وجسدي، حاولت جاهدا اعادة ترتيب افكاري لأجد نفسي وأتعرف عليها، لكن التشويش القوي يهز مسمعي ويبعثر أجزائي وذاكرتي وكأني وسط عاصفة مجنونة، بدأت الذاكرة تنسج خيوطها داخل جمجمتي كلما ابتعد ذلك الصوت.
هل انا احلم؟، همست وانا اتحسس لساني الذي يشبه جذع شجرة لم تذق الماء منذ دهر.
عيناي تطوفان في المكان كل شيء مألوف لدي، أبواب موصدة تحيط الغرفة الواسعة قليلا، هذا والدي عابس الوجه وهذه امي تتمتم بكلمات ملتاعة، لماذا؟.
وانا ممدد وسطهم على الارض مدثر ببطانيتي الزرقاء القديمة بإحكام.
انه فجر الخميس تذكرت....
دخلت عيوني إلى الغرفة التي احببتها لسبب ما، وعندما رأيته وقد رمى برأسه على طرف السرير عرفت السبب، نظرت بوجهه لقد غدى شاحبا ودموعه تهطل على وجنتيه، عبثا حاولت منعها من ملامسة الارض..
ماذا بك، سألته وعيناي يبحران بعينيه؟
بصوت عالٍ ومبحوح نادتني أمي وكأن آلاف الامتار بيننا، لبيت دعوتها مسرعا انا وأخي.
وقفت بجانبها سَاهماً، متحيراً وصهيل كلماتي مخنوقة في حنجرتي لايستطيع الافلات، احتضنها اخي بقوة ومنعها من الكلام الذي يصرخ من قلبها..
طرقات الباب القوية افزعتني، خرجت مسرعا إلى باحة الدار لأفتح الباب لكن شيء ما منعني جاء والدي من خلفي رأيت يديه المنتفختان بلونهن البرونزي، وضع سبابة يده اليمنى على قفل الباب وهو يسحبها باتجاهه، دخل أربعة رجال وفي أعينهم أسئلة كثيرة القوا عليه التحية بأسى وهم مسرعين الى الداخل، رد عليهم بثقل كبير وبصره في الأرض، احدهم وضع يده على كتف والدي وهما يرومان الدخول وقال بتحنن: شد حيلك ابو عبد الله.
توسطت باحة الدار وراحة بطعم غريب تسري في داخلي، وأنا أستمع لصوت المؤذن الوديع العذب الذي يأخذ مجامع النفوس وانا منهم فيجعلني دائما أتأهب للصلاة كعشق عاشق وأنسلخ من الدنيا الى خالق الدنيا، فكم أحببت ساعات الفجر هذه، كل شيء ساكن وهادىء ليس له صوت فقط كلمات الله تسبح في الفضاء.
أخذت الناس تدخل وتخرج من الباب الذي تركه ابي متعمدا مفتوحا..
هل انا الأن في حلم ام كنت؟؟
سكت المؤذن ثم صاح بصوت اعلى واخشن: انقلوا اقدامكم لتشييع جثمان المرحوم عبد الله ابن محمود، الساعة السابعة صباحا.
ارتعبت من سماع اسمي، واحساس خفي بالخوف امتلكني، اصبحت الأرض صفراء وغزاني الصوت مرة ثانية، هزنّي بقوة، هممت بالدخول لأسأل والدي لكن......
اضافةتعليق
التعليقات