توصلت دراسة حديثة في علم الشخصية والذكاء إلى اكتشاف جديد، مفاده بأن الأشخاص الذين يؤمنون بعلم التنجيم يميلون إلى أن يكونوا أكثر نرجسية.
وتقود الدراسة في جامعة لوند بالسويد، إيدا أندرسون، التي تعتبر علم التنجيم المتعارف عليه منذ أكثر من 2000 عام بأنه علم زائف.
وتظهر الدراسة أن التنجيم يجذب النرجسيين، لأنه يركز على الذات ويعزز إحساس الفرد بالتفرد، ويجعل النرجسيين يعتقدون بأنه يمنحهم معرفة خاصة لا يمتلكها معظم الناس، أو يؤكد أن لديهم علاقة خاصة مع الكون، لأن النرجسية ترتبط بإحساس كبير بالذات وايمان بتفوق الفرد على الآخرين.
وخلصت الدراسة إلى أن الناس قد يؤمنون بالتنبؤات الفلكية، لأسباب مختلفة ومتعارضة، قد يجدها بعض الناس جذابة لأنها تعزز إحساسهم بالأنانية والخصوصية، بينما قد يعتبرها الآخرون وسيلة للمعرفة الروحية.
الاعتماد على التوقعات الفلكية وعلم الابراج
وقد يكون الوعي الذاتي المكتسب من علم التنجيم أيضا نتيجة لتأثير "بارنوم"، وهي ظاهرة يعتقد الناس من خلالها، أن العبارات المعممة تنطبق عليهم شخصيا، وبأن العبارات العامة للخصائص البشرية المشتركة، هي أوصاف دقيقة لأنفسهم.
ومن المثير للدهشة أن علم التنجيم واسع الانتشار في العالم حتى بين أوساط المتعلمين والأذكياء، على الرغم من وجود أدلة كثيرة على أنه لا أساس له من الصحة من الناحية العلمية.
ولاحظ علماء النفس أن الأشخاص الأكثر ميلا إلى التنجيم يميلون أيضًا إلى أن يكون لديهم مركز خارجي للتحكم في الحياة، مما يعني أنهم يعتقدون بأن نجاحاتهم أو إخفاقاتهم ناتجة عن عوامل أو قوى خارجية خارجة عن تأثيرهم، على عكس الأشخاص الذين لديهم موقع داخلي للسيطرة، وهم يعتبرون أنفسهم المسيطرين على حياتهم.
التنجيم ينتعش في وقت الأزمات
وأظهرت عدد من الدراسات أنه من المرجح أن يلجأ الناس إلى علم التنجيم، عندما يواجهون أزمات شخصية أو ضغوطا في الحياة، مما يدل على أنه متنفس يساعد الأشخاص على تقليل التوتر والقلق أثناء المواقف الصعبة ووسيلة للتعامل مع المخاوف.
ويمكن أن يكون هذا الاحتمال الأقرب لتفسير تضاعف شعبية علم التنجيم خلال أزمة كورونا العالمية، التي شهدت ظهور آلاف التطبيقات الإلكترونية التي توفر للمتابعين معلومات فلكية وتنبؤات يومية لاتخاذ قرارات مهمة في الحياة تخص الجانب المالي والصحي والعاطفي.
ويعوّل كثيرا أصحاب هذه المواقع والتطبيقات على مدى قوة الخرافات الموجودة بالفعل في بعض الثقافات، التي غالبا ما يستهدف فيها ممارسو علم التنجيم وعلم الأعداد وقراءة الكف وغيرها من العلوم الزائفة المماثلة، سذاجة الناس لتحقيق مكاسب مالية.
كذلك يوضح أستاذ علم النفس بجامعة لندن، كريستوفر فرينش، سبب تعلق جيل الألفية الثالثة بعلم التنجيم قائلا: "يعد التنجيم في جوهره كآلية للتعامل مع الإجهاد وعدم اليقين في الحياة، فأي شيء يبدو أنه يقدم لنا لمحة عما ينتظرنا في الزاوية التالية، قد يمنح شخصًا إحساسًا أفضل بالسيطرة، حتى لو كان ذلك الشعور بالسيطرة خادعا. وقد يوفر أيضًا نوعا من الطمأنينة بشأن المستقبل، وشعورا أقل بالضيق".
ويحذر بعض الخبراء في علم النفس، من شعبية علم التنجيم المتزايدة، التي تحمل في طياتها خطرا كبيرا على الصحة النفسية، للأفراد المنغمسين في عالم من الأوهام.
وتطالب بالمزيد من أبحاث الصحة العامة التي توضح كيفية تفاعل الأفراد مع علم التنجيم وكيف يؤثر ذلك على صحتهم العامة وتقييم أسباب انخراط الناس في علم التنجيم، ودراسة آثاره على الصحة والرفاهية، أكثر أهمية من أي وقت مضى". حسب سكاي نيوز
تطبيقات التنجيم.. العلوم المزيفة ترتدي ثوب الذكاء الاصطناعي
"إنها توقعات الأبراج لشهر آذار. الذكاء الاصطناعي المُنجم يزداد ذكاء." هذا العنوان لم يزيّن مقالة نشرها موقع اخباري يهتم بنشر توقعات الأبراج لكسب القراء. المقال نشره "gizmodo"، واحدٌ من أهم المواقع التي تغطي القضايا التكنولوجية.
تطبيق "كو ستار بيرسونالايز" يطرح نفسه للمستخدمين، على أنه تطبيقاً يستخدم الذكاء الاصطناعي للتنجيم، ويستند إلى نتائج وكالة "ناسا" لتوقع الأبراج. يتوفر التطبيق في متجر "آبل"، وهو حائزٌ على 5 نقاط، تمثل إعجاب المستخدمين الشديد. على صفحة التطبيق كتب المستخدم جيوفاني، أنه ورفاقه "يصدقون" الرؤية الفلكية التي يقدمها الذكاء الاصطناعي و"يؤمنون" بها، لأنه أذكى من المنجمين "الحقيقيين" وتتوافق توقعاته مع أحداث يومية يعيشونها. ولكن في نهاية تعليقه، استنكر جيوفاني، انفاقه أموالاً طائلة مع كل مرة يريد تفعيل خدمات إضافية، إذ تحقق الشركة 3 دولارات في حال أرسل دعوة إلى أصدقائه.
أمضى مبتكرو "كو ستار" ثلاثة أشهر وهم يدرسون فن التنجيم وكيفية تحقيق أرباحاً مالية منه، فابتكروا خوارزمية تراقب حركة القمر وتراجع أورانوس في برج معين وتقدم كوكب جوبيتير في برج آخر، ولكي يبدأ الذكاء الاصطناعي بالتنجيم للمستخدمين عليهم إدخال الاسم وتاريخ الميلاد وتفاصيل أخرى خاصة.
لقد حول مطورو التطبيق كل ما يجري في عالم التنجيم إلى خوارزميات، وقالوا للصحف إن تطبيقهم أفضل وذا مصداقية أكبر من المنجمين الحقيقيين لأن الذكاء الاصطناعي لديهم اكتسب داتا لا متناهية عن التنجيم وأصوله، كذلك يجاهرون في أن تطبيقهم "يسرد القصص" ويستعيد ذكرى "الأساطير".
تشهد تطبيقات التنجيم نقلة نوعية بعد إضافة الذكاء الاصطناعي إليها، وتلقين آلة تعلمها بيانات كبرى تُعرِف الطريقة التي يشرح ويحلل وفقها منجم معين لحركة الكواكب، بالإضافة إلى بيانات تفصيلية عن نظام تنجيمي معين، ما يسمح لها تقديم خدمات تنجيمية ذكية من تلقاء ذاتها دون استعانة بتدخل بشري.
يقدم تطبيق "باهريغو" الهندي توقعات عالجها الذكاء الاصطناعي مستنداً إلى البيانات الكبرى للنظام التنجيمي "السنسكريتي" ونظام "نادي دارما"، وهما مدرستان تنجيميتان "يؤمن" عشرات ملايين الهنود بهما، وقال مطورو التطبيق أن المستخدمين استبدلوا المنجم البشري بالذكاء الاصطناعي.
مما لا شك فيه أن مهنة التنجيم ممتازة لصناعة الأموال السهلة. بحسب دراسة نشرها عام 2018 مركز "ابيس العالمي، تقدر أرباح سوق الأبراج سنوياً بملياري دولار، وقد لحُظت الدراسة أن المولودين بعد عام 2000، يستفسرون دائماً عن أبراج الآخرين، ما يعني ازدهاراً مستقبلياً لهذا السوق بأشكال رقمية مختلفة جذرياً عن السابق.
ثلاثة آلاف عام مرت على ولادة التنجيم، لم تكن هذه المدة كافية، لكي يفقد مئات ملايين البشر من فئات عمرية متعددة الثقة بالأبراج والاطلاع على المستقبل من خلال أوراق التاروت، فحالياً هناك 27 بالمئة من الراشدين حول العالم يمتنعون عن القيام بشيء معين في حال تلقوا تحذيراً من علماء الفلك أو من المنجمين عبر الأوراق، و25 بالمئة من المراهقين يعتقدون أن نشاط الكواكب يؤثر على حياة سكان الأرض، وينظرون إلى حياتهم انطلاقاً من النجوم.
عودة العلوم الزائفة
يندرج التنبؤ بمستقبل الأفراد والدول من خلال مراقبة حركة النجوم والكواكب والمذنبات في خانة العلوم الزائفة، التي تقوم على مجموعة من المعتقدات أو الممارسات الخاطئة تستند في زيفها إلى الوسائل العلمية، ففي وقتنا الراهن، هناك ملايين لا يميزون بين علم الفضاء وعلم الفلك التنجيمي.
يعد زج الذكاء الاصطناعي في التنجيم، من أهم الصيحات السائدة حالياً في الساحة التكنولوجية. لقد حذر كتاب "العلم الزائف: المؤامرة ضد العلم"، من مخاطر منح الخرافة مكانة جديدة عبر الذكاء الاصطناعي. فيذكر الكاتبان أليسون وجيميس كوفمان أن النموذج التكنولوجي الحالي، وبدلاً من أن يمنح الحقيقة العلمية مكانة متقدمة، فإنه شرع الباب أمام الأخبار الكاذبة وحطم طريقة تفاعل الناس مع الحقيقة.
للعلوم المزيفة والأخبار الكاذبة بنية تُدعى "المغالطات" (fallacy)، وهي بنية من الواضح أنها مكان آمن تستثمره الشركات لإنتاج تطبيقات تحاكي خرافات يستحسن دفنها
يقول الكاتبان أن التكنولوجية، أنعشت العلوم المزيفة خصوصاً التنجيم، وأضفت ضبابًا على مشهد الحقيقة وجعلت العلم مرجعية لتباسية حتى بات من الصعب على الأفراد تمييز ما هو مزيّف عن الواقع المنطقي، وهو ما يعطي العلوم المزيفة شحنة قوية كي تبقى على قيّد الحياة، وليس على سبيل الحصر انعاشاً للتنجيم فقط، بل توجد نظرية تتحدث عن الذكاء الاصطناعي بصفته شبح الآلة الذكية وتحاول المجموعات التي تروّج للنظرية تعقب الشبح ورصد حركته عبر استخدام الأشعة.
ثمة إيماناً مازال نَشِطاً بالعلوم المزيفة والخرافة. فعلى الرغم من تطور الواقع المبني على أسس منطقية، تظهر احصاءات عودة العلوم المزيفة إلى الواجهة، ويشكل عام 2018 بداية الطفرة في إنتاج تطبيقات تُقدم خدمات تنجيمية عبر الذكاء الاصطناعي، ككشف المصير المستقبلي من خلال أوراق التارو أو معرفة المجهول عبر فتح الخريطة الفلكية.
ومع كل اختراق علمي يحول الخيال العلمي إلى واقع، يجذب الذكاء الاصطناعي المزيد من المؤمنين الذين ينظرون إليه كمصدر موثوق ومرجعية ثابتة للإجابة عما هو حقيقي وقوي وثابت في الوجود. وليس شيئًا غريبًا اقدام شركات وازنة في الساحة التكنولوجية على الترويج للتنجيم بهدف كسب الأرباح المالية. فشركة "غوغل" التي ترسم خارطة طريق مستقبلية للعلم وللبشرية" أوغلت يديها في العلم المزيّف. لدى غوغل مساعدة افتراضية تدعى "زورا" تعمل كمنجمة، وتجيب عن أسئلة المستخدمين "للتسلية" كما تدعي الشركة.
العلم الزائف هو الأكثر الشعبية لدى الجمهور. وقد يكون واجب التكنولوجية في المستقبل البحث عن أسباب لجوء الناس إلى العلوم الزائفة. ربما لأنها جذابة للغاية، وتؤمن أجوبة سريعة. وربما أزمة الايمان بالعلوم الزائفة هي السبب الرئيسي لتصديق الملايين الأخبار المزيفة "fakenews". ما يجب معالجته مستقبلاً ليس الأخبار الكاذبة لأنها بمثابة سطح أو قشرة تكشف تأزم الحقائق العلمية مقابل تسليم الناس بما تقوله العلوم المزيفة.
للعلوم المزيفة والأخبار الكاذبة بنية تُدعى "المغالطات" (fallacy)، وهي بنية من الواضح أنها مكان آمن تستثمره الشركات لإنتاج تطبيقات تحاكي خرافات يستحسن دفنها. من الأجدى، قبل مكافحة الأخبار المزيفة، تجفيف مصادر المغالطات التي تتستر دائماً خلف العلم الحقيقي. استمرارها يعني استغباء لعقول الملايين ويعني أيضاً سرقة ممنهجة لمئات ملايين الدولارات من جيوب المستخدمين. حسب الجزيرة
اضافةتعليق
التعليقات