مع هذا النمو مع نمو قريتنا العالمية، تزداد رغبتنا وتوقعاتنا بالحصول على المعلومات فوراً، في عصر التقانة وانبلاج فجر "مجتمع المعلومات الفورية" الجديد، أضحت قدرتنا على قياس أدائنا جسدياً وذهنيا ممكنة وسهلة.
فعلى سبيل المثال، إذا أردنا معرفة المسافة التي نقطعها ركضاً أو مشياً، يمكننا استخدام أداة تحديد مواقع شخصية، التي تستطيع أيضاً مراقبة معدل دقات قلبنا، وسرعتنا، وعدد خطواتنا باستمرار، وإضافة إلى هذا يمكن تحميل كل هذه المعلومات فوراً عن بعد على حاسوب، وتصبح هذه النتائج جاهزة في دقائق ويمكن طباعتها، أو مراجعتها عن بعد من قبل كل من يستطيع الولوج إلى هذا البرنامج. لقد وصلت التقانة مرحلة تبدلت فيها طريقة معرفتنا أداء شخص فيسيولوجيا في أثناء نشاط معين، ومشاركة هذه المعلومات على نطاق واسع عن طريق حصولنا على معلومات شخصية وتخزينها ونقلها.
فيما يتعلق بفحص قدرة المرء المعرفية، هناك بالتأكيد طرق يستطيع بها الشخص قياس قدرة أساسية. مثلاً، هناك عدة برامج حاسوبية ومواقع إلكترونية ستفحص القدرات المعرفية في مجالات عديدة (مثال: الذاكرة، المفردات لغوية، الإدراك). إضافة إلى اختبارات عن الإنجاز المعرفي، هناك أيضاً برامج تجارية متوافرة يمكنها تحديد أنماط نشاط الدماغ في أثناء تنفيذ مهمات معرفية، ومع التطورات في العقود القليلة القادمة، قد يصبح قيام فرد بمهمة مراقبة أنماط نشاط دماغه من بعيد ممكناً.
مثلاً، في حقل علم الوراثة، يستطيع العلماء الآن ترتيب سلسلة مورثات الناس برمتها، التي يمكن أن تساعد في تحديد أي أمراض قد يكون الفرد عرضة للإصابة بها؛ وقد كان يظن أن هذه التطورات غير ممكنة قبل عقدين فقط.
على نحو مشابه لتطورات السلسلة الوراثية، يمكن لتطورات تصوير الأعصاب، إلى حد معين، أن تفحص أنماط نشاط الدماغ للاستفادة منها في فهم القابلية المسبقة لإصابة الفرد بخلل وظيفي/معرفي، أو وجود استعداد مسبق للإصابة بأمراض معينة.
إضافة إلى هذا، لا يبدو من غير الوارد التفكير في مراقبة أنماط الدماغ في المستقبل في أثناء قيام الناس بأعمالهم أو نشاطاتهم اليومية قد يحدد، مثلاً، أوقات اليوم الأكثر إنتاجية، أو الأوقات التي ينبغي أن يأخذ فيها المرء استراحة، أو متى يكون الفرد في حالة تجعله أكثر عرضة لارتكاب أخطاء. قد يكون تحديد القضايا الفيسيولوجية قبل أن يفهم الفرد بنحو واع حدوده، أو حدودها، مهماً جداً، وأنا واثق أنك تستطيع التفكير بعدة مهن قد تستفيد من هذا النوع من التقانة (مثال: ربابنة الطائرات، مراقبو الحركة الجوية، الجراحون). القصد أن هناك الكثير مما يمكن تعلمه عن الدماغ، خاصة عن تقدم العمر والدماغ اليافع، وتقدم عمر دماغ الاستثنائي.
بالرغم من أن الوقت (تقدم العمر) ضار لكثير من العمليات الفيسيولوجية، ومنها الدماغ، إلا أنه ليس كذلك دائماً. في الواقع، لقد وثق باحثون مجموعات فرعية من أفراد متقدمين بالعمر تعاكس المعرفة التقليدية القائلة إن تقدم العمر يعني "خفض قدرة الدماغ". لقد عرف هؤلاء الأفراد فعلياً على أنهم "معمرون خارقون". تاريخياً، هناك فهم متفق عليه أنه عندما يتقدم شخص بالعمر يصبح عرضة لتراجع كبير في القدرة المعرفية، لكن هذه ليست الحال بالضرورة، ويحافظ بعض الأفراد فعلاً على أداء معرفي ممتاز في سنواتهم الأخيرة.
عند سؤالهم، يظن أفراد كثر أن التقدم بالعمر يعني انحداراً كبيراً في القدرة المعرفية، وقد تسمع شخصاً يقول: "لقد بلغت سن التقاعد". فيما يتعلق بالبعض، قد تكون هذه في الواقع تجربة إيجابية، إن كانوا من المعمرين الخارقين، لا الحلقة السلبية التي يقصدها بعضهم بهذه العبارة.
هناك سؤال عالق يطرحه كثير من الأفراد المتقدمين بالعمر هو: "إذا اعتمدت كليا على هذه تقانة، ألا أعرض قدرات الدماغ للخطر لأنني لن أستخدم ذهني كثيراً؟". هذا سؤال رائع، ويمثل خوفاً كبيراً لأفراد كثر متقدمين بالعمر، وينبغي الاجابة عليه.
لقد اقترح باحثون أن استخدام التقانة بفاعلية يتضمن استخدام مقدار كبير من موارد الدماغ. مثلاً، يتطلب وضع تواريخ ومذكرات في تقويمك نشاطاً دماغياً ومشاركة معرفية في جدولة مهمات أسبوعية أو شهرية، كذلك يستلزم السؤال عن تعليمات، سواء من هاتفك الذكي أو شخصياً، استخدام المرء موارد معرفية أيضاً في الواقع، يتطلب إدخال معلومات توجيهية في هاتفك الذكي تفعيل الشبكات البصرية وقشرة الدماغ الحركية (خارج ما يمكن اختباره عبر تعليمات لفظية) بالنتيجة فإن هذه العمليات هي تحفيز للدماغ.
مرونة الدماغ أو المرونة المعرفية والمرونة العصبية عنصران أساسيان في ضمان سلامة الدماغ، ونموه، وأدائه حين نتقدم بالعمر. من ثم، مستقبل دماغك مرتبط بقدرتك على زيادة المرونة (العصبية والمعرفية)، بالرغم ن أن كلتيهما عملية طبيعية، وفي بعض الأحيان اصطناعية.
المرونة العصبية مصطلح يطلق عموماً على عمليتين عصبيتين، إحداهما هي تخلق النسيج العصبي؛ قدرة الدماغ على إنتاج عصبونات جديدة، والثانية تدعى تخلق المماسات العصبية؛ أي تكون مماسات جديدة (وصلات بين عصبونين تعمل على أنها روابط رسائل عصبية)، التي تحدث عادة حين يتطور دماغك لكنها قد تستمر طوال حياتك. يشار إلى كلا هذين التغييرين على أنهما إعادة تنظيم قشرية؛ وتكون عادة نتيجة تغييرات دماغية تجري عبر التحفيز وقد تتحقق عبر تجارب جديدة وتعلم جديد.
المرونة العصبية، من ناحية أخرى، تشير إلى اعتماد متزايد على احتياطي الدماغ (عمليات دماغية ناجحة سابقاً) وطريقة استخدامه في حالات تغييرات تكيفية في نشاط الدماغ لإنجاز مهمات بنحو ناجح، الفكرة الأساسية خلف هذه العملية هي أن الدماغ يحاول استخدام ما يعمل (صلات عصبية ومناطق من الدماغ لا تزال تعالج معلومات بفاعلية) لتعويض نقص ما يعمل. مثلاً، قد تظن أن هذه العملية مشابهة لقيادة السيارة من العمل إلى المنزل وملاحظة أن مسارك المعتاد مسدود نتيجة إصلاحات في الطريق، وأن هناك تحويلة يمكنك سلوكها، قد تجعل رحلتك أطول قليلاً، لكنك ستصل بالرغم من ذلك إلى المنزل. لا يختلف هذا عما يفعله دماغك حين تُصاب أجزاء أو عصبونات بضرر، وبدلاً من استعمال المسلك المعتاد، يتكيف الدماغ وسيعمل عبر طريق أو عملية بديلة لتحقيق ما تحتاج إليه.
الفرق الرئيسي بين هاتين العمليتين هي أن المرونة العصبية تشير إلى قدرة الدماغ على النمو وإنتاج عصبونات جديدة حين الحاجة إلى التكيف مع مطالب مهمات محددة (طبعاً، هذا يتنوع وفقاً لحال الدماغ، مثلاً، المتضرر أو غير المتضرر)، في حين إن المرونة المعرفية تشير إلى قدرة الدماغ على استعمال مسالك بديلة والاعتماد على نشاط وأنماط دماغية قائمة لتلبية احتياجاته.
كلتا هاتان العمليتان موثقة جيداً وقد حظيتا باهتمام كبير، لكن هذا عادة فيما يتعلق بتطور الدماغ، أو الأذية، أو التعافي اللاحق، في حين إن الأبحاث محدودة بشأن فحص هاتين العمليتين فيما يتعلق بالتقدم الطبيعي بالعمر وأمراض مرتبطة بالتقدم بالعمر.
اضافةتعليق
التعليقات