في عالم تحكمه الماديات بصورة مدهشة بحيث لا تجد مكاناً فيه للمعنويات إلا ماندر، مازالت تلك الحادثة عالقة في ذهني عندما ذهبت إحدى عماتي تخطب لإبنها وكـعادة الأمهات اللاتي يحلمنَّ في بلوغ هذا اليوم على خير، أتذكر عندما سألتُها عن الفتاة التي ستدخل عائلتنا كيف هي؟
عندها أجابتني قائلة: إنها جميلة جداً..
قلتُ لها كيف؟ وإذا بها تصف لي تلك العيون الواسعة وذاك الطول الممشوق وشعرها وبشرتها وغيرها من مظاهر جمالها التي أخذت لُب عمتي وفازت على إستحسانها ! والسعادة تغمرها بصورة لا تُصدق.
مضت على تلك الحادثة حوالي سنتين وأنا أرى عمتي وعيونها ملئى بالحزن الذي يتقاطرُ دمعاً على وجنتيها لـولدها وفلذة كبدها وحياته التي بدأت تتحطم وتتلاشى وهو يرى ابنته تُقاسي ألم الإنفصال لتكون ضحية زواج لم يُبنى على أُسس صحيحة ! بعد أن إستنفذوا كل محاولات الإصلاح من أجل عيش هانىء ودافىء ..
ولأن القرار كان قاسياً لقلب ولدها فقد قرر الهجرة ليستقر بـإحدى دول أوربا ظناً منه أنه يستطيع الهرب مما يُقاسيه ..اليوم عمتي تعيش بين نار إنهاء حياته الزوجية وهدم بيته وبين جمرة الغُربة وما تفعل بصدرها..
إستوقفني الحال الذي بتنا نعيشه اليوم فهذا الوضع ليس مُقتصراً على عمتي فقط بل تعاني منه أغلب عوائلنا التي صارت لا تدرك مخاطر هذا الأمر إلا بعد فوات الأوان !
فالأغلب صار ضحية هوس الجمال الظاهري واللهث وراء المظاهر الخداعة دون التركيز على أُسس الزواج الصحيحة ومواصفات الشريك التي أرادها الإسلام المحمدي من أجل زواج هانىء يتكامل فيه الطرفين فأين صرنا؟ وإلى ماذا ستؤول إليه حياتنا بعد؟
مازلنا نعيش دور الإنفصال عن ديننا وتُراثنا، هويتنا وعاداتنا حتى بات يحكمنا وتُسيرنا (مواقع التواصل الإجتماعي وما تنتج من تفسخ وهروب).
فها هو مولى الموحدين صلوات الله عليه يبين لنا إحدى مصاديق الجمال فـعنه صلوات الله عليه "لا جمال أحسن من العقل".
نحتاج التوقف هنا طويلاً فالجمال هذا المحور اللطيف والمطلوب والذي بات يشغل العصر وتتطلع إليه نفوسنا لابد من معرفة مفاهيمه الحقَّة، لا مفاهيم الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي التي صارت تُصوره بصور خاوية مُؤطرة بـ (الجسد والشكل) ساعية ليكون الإنسان الذي كرمه الله بالعقل مجرد سلعة يلهث لرؤيتها من يستحق ومن لا يستحق !
ليصير مطلب إجتماعي وعلى كل الأصعدة بل تجاوز الأمر ليشمل فرص العمل أيضاً فأنت حتى تتمكن من إيجاد فرصة عمل مناسبة ليس عليك سوى أن تمتلك شكلاً جميلاً وفق معاييرهم هم ؟؟
ولأن هذا الأمر لم يُخلَّف خلفه سوى الويلات التي أثبتت فشل نظرياتهم هذة دعوة للتأمل قليلاً لـلعودة لأصلنا الإسلامي الذي رسم لنا الطريق بكل مفاصله كي نعيش الهناء الذي نبحث عنه ونسعى لأجله بكرامة وعزة.
فمصداق الجمال ليس الظاهر فقط بل الجمال الحقيقي جمال الروح الذي يبقى معك بل ويُحدد صورتك بين من حولك حتى وإن تلاشى جمالك الظاهري بفعل الزمن أو لحادث ما لا سامح الله أو لأيَّ سبب آخر ؟!
ألم يُقال قديماً " الحلاوة حلاوة الروح" ؟
الجمال الظاهري نعمة كبرى ولكن ما أجمله لو اقترن بجمال العقل والتفكر ؟
فلنهيئ أنفسنا ونعبئ طاقاتنا للسعي لاثبات ما ضيعه الغرب علينا حيث جعل معظم النساء تتجه وراء مراكز التجميل والعمليات التي تحسن من مظهر الوجه بتدخل جراحي يكلفها ماديًا ونفسياً الكثير؟!
وإن كان هذا جيداً إلى حد ما وفق حالات معينة إلا أن الهوس الذي يشغل تفكيرها ويضيَّع عليها نفسها وأهدافها بل ويُحدد قيمتها من وجهة نظرها هذا ما يجب أن يُراجع !؟
فما أجمل التفكَّر قليلاً والسعي وراء الكمال الروحي واستشعار القيم الأخرى التي يجد فيها المرء سعادته وتُخلده بين أقرانه وتمنحهُ السلام الداخلي الذي بات مطلب جميع النفوس!.
اضافةتعليق
التعليقات