نظرت إلى وجهي في المرآة تحسست فيه التجاعيد العشرينية! أكاد أجزم أن ملامحي قد اختلطت بتقاسيم وجه أمي فصرت لا أستطيع أن أميز بيني وبينها حيث لم التقِ ببشريّ سواها والنافذة!.
هذا الكرسي الذي لا أستطيع نعته باللعين أصبح يلاحقني أينما ذهبت وكأنه التصق بجلدي أو أننا توأمان بجسد واحد ولكن شتان بين روحينا فروحه لا تفقه معنى العشق والانتظار وروحي تلك التي تلت كل آيات العشق ولا زالت ترددها حتى وهي حبيسة بين جدرانها الأربع فأنى للروح أن تُحبس!.
كانت روحي تطل من تلك النافذة فترى الشيء الكثير تمنيت قبل موت أمي أن أعطيها عيناي كي تبصر بهما وأستعير منها قدماها كي أخرج ولكن لحظة، ما فائدة القدمان إن لم تكن هناك عينين؟.
ذهبت أمنيتي أدراج الرياح حين رحلت وآخر شيء رأيته جسدها حين أخرجوه، بعدها عشت في وحدة قاتلة أنا والكرسي والنافذة فقط!.
كنتُ ارى من تلك الكوة أشياء عجيبة أرى البشر احدهم يقتل الآخر والبقية صامتون !
رأيت ذات مرة فقير يتضور جوعاً وبجنبه غني يأكل أشهى أنواع الطعام وكأنه فقد بصيرته!.
سمعت صراخ المظلومين وشاهدت قتلهم بدم بارد!، كانت قدماي تزداد ضعفاً يوماً بعد يوم، أغلق تلك النافذة كي لا أشاهد تلك المناظر البائسة لكني اضطر لفتحها فأجد طعامي عندها كالعادة أتساءل من ياترى يذكرني في هذا العالم الغريب؟.
كنت يوماً بعد يوم يزداد تعلقي بالكرسي أتنقل به وأجوب أرجاء الغرفة، أصبحت علاقتنا أوطد من ذي قبل كنت سابقاً أراه مصدر شقائي والآن صرت أراه وسيلة آمنة لعزلي عن تلك الحياة المتوحشة التي في خارج غرفتي صرت آلفه شيئاً فشيئاً ولكن عندما يبدأ الملل يتسلل لنفسي أعيد فتح تلك النافذة فأرى العجب العجاب وحالات البشر التي صارت قاب قوسين من حياة الغاب فقررت أن أغلق النافذة واتخذ القرآن جليساً وأنيساً لي في وحدتي، فتحت النسخة التي طالما حلمت أمي بأنها ترى وتقرأ فيها ورحت أتلو ما وقعت عليه عيناي من سورة الأنبياء: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون".
فكرت متى يأتي ذلك اليوم ويأتي الصالحون كي يعمروا هذه الأرض، سمعت طرقات على نافذتي، ذهلت وتساءلت من ياترى يطرق على نافذتي المنسية منذ اكثر من أربعين سنة!
سمعت أصواتاً وجلجلة ها قد ظهر إنه يملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
قدماي دبت بهما الحياة شعرت بأني عصفور قد فُتح له القفص وطار إلى مكان آمن..
مكان ليس فيه ظلم ولا فساد ولا كره.. مكان كله حب وآمان.
اضافةتعليق
التعليقات