لم أغفُ إلا بعد أن قطعت شوط من الذكريات والتفكير، ليعتلوها كطوق نجاة من الطوفان في أحداث الماضي، وماذا سيكون القادم، لا أدري لماذا هجمت عليَّ الذكريات والكوابيس، وكأن جرس يدق ناقوسه عند انتصاف الليل، على وسادة سريري اصارع مع النوم، والأفكار كانت تحوم في رأسي، غرقت في بحر من الذكريات التي مرت بي هذا العام، أتصفح في مخيلتي أحداث وصور، قليلة جدا هي الأفراح، وتكاد أن تعد المناسبات التي فرحت بها، أشهر مضت لا أكثر، اشتعل الشيب رأسي، وهجرت روحي جسدي، هكذا فكرت بصوت عال ليلتها، وبعدها رأيت نفسي ممددة على الأرض، ليس هناك سوى صدى صوتي المخنوق بعبرته يعود اليَّ مختنقاً بالمرارة..
يا إلهي ما الذي يحدث عجيب هذا العام، أين الوجوه الضاحكة، أين الشباب، مكسورة الظهر والقلب انثر بقايا أيامهم، حتى السعادة باتت حزينة لانها لم تفلح هي الأخرى بسعادتي، رحلت مني دون سابق إنذار، تاركة خلفها كل الحكايات رحلت وتركت لي جحيم من الهواجس، أمنحيني شهقة من الفرح، جرعة من النسيان، وسأمنحك عمرا من الشكر، اعطيني أملاً حتى لو كان كاذبا انهم يرجعون ﻷعيش عليه بقية أيامي، هبي لي نسائم عطرهم، وسأجعل سنيني تركع تحت قدميك..
يذبحني الشوق من الوريد الى الوريد، وتزيدني حزنا صورهم الصامتة، تكوي جمراً بين ضلوعي، تئن لصراخهم ولايامهم مهجتي..
والتصق بوجع الأنين، عام يكاد أن يطلق عليه عام الأحزان، أول صورة ظهرت في ذاكرتي هي لسجين كان ينتظر الحرية فمات مذبوحا بحلمه، قتلوه في بداية العام فرحل النمر عنا شهيدا، بين ضجيج روحي وصرخات الأنين ظهرت صورة أخرى لكنها كانت مرملّة بالتراب والدماء وثمة عمامة على الرصيف، اه يا لشبابه، النوح ولفقده الثلم انه الجواد الشيرازي، دمعاتي تشاطر ذاكرتي فهي أيضا كانت تصرخ بنزولها، مابين الفقيدين جلست اقرأ العزاء، توقفت عندما ظهر أمامي شاب عريض المنكبين عطشان شفتاه ذابلة، في مكان متحطم محترق، يلوح لي هل نسيتم من انا؟ لا انت سيد محمد نصرالله، كان صوتي مرتفع يعانق الفضاء الخارجي، نجوم صغيرة تلمع في كبد السماء كقنديل العيد يزهو، علي وليان، أين إنتما الآن، كلما رأيت أطفالا أتذكركم، تقدمت خطوة نحو السرير، تناثرت كما القطرات المنكسرة على ذلك خد الورد، إعتصر من الحزن، بعدما اختمت اوجاعي وذكرياتي على شجرة معلقة فهي الوحيدة التي تفهم لغة الفقد، جمعت كل الصور وعلقتها على الشجرة..
اضافةتعليق
التعليقات