حققت توجهات الإمام التنمية الإدارية في أبعادها المختلفة، والتي كانت تعتمد ثلاثة مناهج رئيسة:
المنهج الأول: استنهاض الإنسان ليمارس دوره في إدارة مؤسسات المجتمع، ويفجر طاقاته الكامنة، ويكوّن رؤيته المستقبلية من خلال الطموح وعلوّ الهمة، وقد قال الإمام علي عليه السلام: "إذا كان في الرجل خُلَّةٌ رائقة فانتظروا أخواتها".
المنهج الثاني: دعوة الناس للتعاون فيما بينهم، والتطوع لخدمة بعضهم بعضاً، والاهتمام بمناطق الضعف والحاجة في المجتمع، بما نطلق عليه الآن العمل الأهلي التطوعي، وهو جزء من العمل المجتمعي الذي يساهم في إنجاح العمل الإداري، ففي وصيته للحسنين: "أُوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللهِ، وأَلَّا تَبْغِيَا الدُّنْيَا وَإِنْ بَغَتْكُمَا، وَلاَ تَأْسَفَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا، وَقُولاَ بِالْحَقِّ، وَاعْمَلاَ لِلْأجْرِ، وَكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً، وَلِلْمَظْلُومِ عَوْناً.
أُوصِيكُمَا، وَجَمِيعَ وَلَدِي وَأَهْلِي وَمَنْ بَلَغَهُ كِتَابِي، بِتَقْوَى اللهِ، وَنَظْمِ أَمْرِكُمْ، وَصَلاَحِ ذَاتِ بَيْنِكُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: "صَلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلاَةِ الصِّيَام".
المنهج الثالث: وضع سياسة الدولة في خدمة التنمية، وهذا ما تؤكده سيرة الإمام مع الشعب، وتوجيهاته للولاة والموظفين، ولعل من السياسة الحكيمة التي يراها هامة لتحقيق التنمية الإرادية هو أن لا يستمر الموظف أو العامل في المنصب ذاته لمدى الحياة، بل لا بد من اعتماد قاعدة التدويل وتغيير المهام، حتى ولو كان هذا الموظف ناجحاً في مهامه، لم يرتكب أي خطأٍ أو ذنب، ونستدل على هذه القاعدة بقول الإمام عليه السلام:
"يمكن القول بأن التنمية مشروع إحياء حضاري ضخم وشامل، مستند إلى القبول الإرادي لأفراد المجتمع، وينبع من إيمانهم بجدوى هذه العملية وأهميتها في تحقيق مصالحهم الحيوية ومتطلباتهم الحياتية، على هذا يقول الإمام عليه السلام: "من كثُرت نعم الله عليه كثرت الحوائج إليه"، كما أن تمكين المجتمع من التجدد ذاتياً يتم عن طريق تحرير العقل من الأفكار المناهضة للتغيير والتجديد سيما وإن كان التجديد مما يقرّه التقدم العلمي الذي يهدم الحياة فكما يقول عليه السلام: "العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل عنه".
أهداف التنمية الإدارية
تعتبر التنمية الإدارية هي الطموح الذي تستهدفه القيادة، وتعرف بأنها عملية منظمة وهادفة تجعل من عمليات الإدارة وطرقها ووسائلها متلائمة مع التطور الشامل لمؤسسات الدولة، فهي بمثابة إستراتيجية تدخل شاملة تعتمد على جهد منظم يهدف إلى إحداث التغيير بغية تحسين كفاءة وفاعلية الجهات الإدارية لتطوير مقدراتها على التجدد والتطور والتلاؤم مع المتغيرات السريعة (تقنية – علمية – سياسية – تشريعية – اقتصادية) وتعدّ التنمية الإدارية جزءاً أساسياً من خطط التنمية ومحوراً فعّالاً وبُعداً رئيساً في إستراتيجية التنمية الشاملة.
التنمية ذات أبعاد فردية بمعنى أن هناك أفراداً لديهم القدرة على القيام بأعمال التغيير نحو الأفضل إدارياً، ولها بُعد جماعي بمعنى وجود فريق من القادة يعملون ضمن استراتيجية محددة، ولديهم القدرات والكفاءات والعلاقات الإنسانية الجيدة.
وتستهدف التنمية الإدارية حسن استغلال الثروات البشرية في توفير الثروات المادية، وبهذا الهدف يمكن أن تُعرّف التنمية الإدارية بأنها: "استثمار يتمثل في مختلف الجهود والإمكانيات التي توفرها المؤسسة لإعداد المدير وتجهيزه لإدارة مرؤوسيه والمساهمة في تحقيق الأهداف الإستراتيجية للمؤسسة.
اضافةتعليق
التعليقات