لعل التغير في وضع المرأة وأدوارها يعتبر العامل الأساسي الذي من خلاله يمكن دراسة الوضع المتغير للأسرة، إذ لا يمكن فهم هذا الوضع بمعزل عن أوضاع المرأة وما طرأ عليها من تحول، فضلاً عن أن وضع المرأة أحد المعايير الأساسية لقياس مدى تقدم المجتمع فإن تخلف المرأة من شأنه أن ينعكس بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الأبناء ويقف عائقاً أمام التنمية الشاملة ولذا فإننا لكي ندرس التحول الذي طرأ على الأسرة.
لابد أن نلم بالتغير الذي حدث لأوضاع المرأة باعتبار أن مشاكلها تعبر عن مشاكل المجتمع وتعكس أوضاعه ولذا فإن تحسين أوضاع المرأة ليس مجرد مظهر لتحديث المجتمع، بل هو ضرورة تنموية لابد منها لأنها جزء من حركة التطور العام التي تعبر عن عملية تغيير كلية شاملة، فإن نجاح خطط التنمية مرهون بمشاركة المرأة كعنصر أساسي في التغيير فكلما توفرت للمرأة مكانة متسمة بالاحترام والمساواة تميزت الأسرة بالتكافؤ والتكامل والاستقرار.
التعليم والعمل مهمات لتأكيد الذات للمرأة العاملة: أصبحت المرأة بفضل تعليمها وانخراطها في سوق العمل أكثر قدرة على تأكيد ذاتها ومشاركتها، إلا أن هذه المشاركة وازدواج الأدوار لابد أن بعض الخلل الذي لابد من مواجهته وإيجاد الحلول، له مما يقتضي دراسة وضع المرأة العاملة وإدراجه ضمن الأولويات التنموية وتوفير التسهيلات التي تمكنها من القيام بواجباتها ضمن علاقة واضحة بين التعليم والعمل، ونحن حيث نتحدث عن تطوير المرأة ويعتبر عمل المرأة أحد المتغيرين الرئيسيين - إلى جانب التعليم - بالنسبة لتغير أوضاعها وتطور مكانتها وهما أي التعليم والعمل عاملان متداخلان تربط بينما علاقة طردية، فقد بينت دراسة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية بدولة البحرين بالتعاون مع منظمة الأكوا أنه توجد علاقة جدلية بين تعليم المرأة وعملها إذ بينت أن (٨٥%) من النساء العاملات لديهن نسبة من التعليم تتراوح بين التعليم الابتدائي والجامعي، بينما بلغت نسبة الأميات العاملات (١٢.٤%) كما بلغت نسبة العاملات من لديهن إلمام بالقراءة والكتابة (٢٠٥) مما يؤكد وجود مشاركتها واستقلاليتها.
إن خروج المرأة إلى العمل ساهم في رفع مكانتها في الأسرة وتغيير وضعها الاجتماعي، وإعطاءها فرصة للمساهمة في اتخاذ القرارات كما أكسبها اكتمالاً في الشخصية وإحساساً بالمسؤولية واهتماماً يتخطى دائرة المنزل المغلقة إلى أمور الحياة العامة وما يستجد في المجتمع، فضلاً عن شعورها بالاستقلال الاقتصادي ومساهمتها في رفع المستوى المعيشي للأسرة.
الدافع الأهم لتوجه المرأة لميدان العمل: المرأة للعمل هو تأكيد ذاتها والرغبة في المشاركة في الحياة العامة، ولقد أظهرت دراسة للدكتورة كاميليا عبد الفتاح أن أهم دافع لدى وقت الفراغ ورفع المستوى الاقتصادي للأسرة، وكل هذه الدوافع يمكن إدراجها تحت بند التقدير الاجتماعي الذي يجعل المرأة تحظى بالقبول والتقدير والاحترام وتصبح لها مكانة اجتماعية ثابتة، فإذا كان الدافع من إشباعات ذاتية فلا شك أن هذا الإشباع والاكتفاء كفيل بأن يدفعها لبذل المزيد من الجهد للاستفادة من المرأة للعمل هو ما يحققه لها الميزات التي يوفر لها عملها، مما ينعكس على أسرتها بصورة إيجابية ويساهم في تقدير علاقتها بالرجل من التبعية المطلقة إلى المشاركة والزمالة، كما يساعد في التخفيف من القلق المادي وإعطاء الأسرة إحساساً بالأمن بالنسبة للمستقبل ولا شك أن هذا الاتجاه يساعد في تقوية العلاقات داخل الأسرة، إذ ينقل الآباء اتجاهاتهم إلى الأبناء فينشأون وهم يحملون نظرة إيجابية نحو التكامل والتعاون داخل الأسرة، وهو الاتجاه الإيجابي المطلوب من أجل الوصول بالمجتمع إلى الصورة المستقبلية المبتغاة.
المرأة العاملة أكثر وعياً ونضجاً وطموحاً من غير العاملة وقد أوضحت نفس الدراسة السابقة لكاميليا عبد الفتاح أن إحساس المرأة العاملة بذاتها يبدو أكثر نضجاً من غير العاملة، ولابد أن ينعكس هذا الإحساس على أطفالها، فقد بينت النتائج أن أبناء المرأة العاملة يتميزون من النضج الانفعالي والطموح أعلى من تلك الموجودة لدى أبناء المرأة غير العاملة وهذا راجع إلى الاتجاهات السائدة بين النساء العاملات بدرجة والمتمثلة في تقبل الآخرين وسيادة أسلوب التفاهم والتقدير مما يعطي للطفل فرصة التعبير عن نفسه ورغباته بحرية ويؤدي بالتالي إلى استقلال شخصيته ونضجه الانفعالي.
كما أن المرأة التي تشبع رغباتها وطموحاتها من خلال عملها تتميز بعلاقة سوية مع مشاعر الغبن والاستسلام. تتميز بالدفء والهدوء إلا أنه رغم الامتيازات التي يقدمها عمل المرأة للأسرة فما زال هذا العمل يعتبر هامشياً بالرغم من أن مشاركة المرأة أدت إلى إيجاد علاقة تتسم بالتكامل والتفاهم بين المرأة والرجل والأبناء، إلا أن توزيع الأدوار داخل الأسرة مازال غير متكافئ وما زالت تشوبه عوامل من الترسبات التقليدية التي تجعل هذه الأدوار متذبذبة وغير واضحة فإن استمرار التوقعات السائدة بالنسبة للدور التقليدي للمرأة أدى إلى تصارع الأدوار، خاصة في ظل غياب البدائل والخدمات التي تساعد المرأة على القيام بدورها المزدوج بنجاح وبدون عقبات ومشاكل تنعكس على الأسرة واستقرارها.
ونظراً للتوقعات المنتظرة من المرأة ولكونها مازالت رغم مشاركتها في مسؤوليات الأسرة- تتحمل وحدها تبعة الأدوار المزدوجة، فإن أي تقصير أو خلل في أداء عملها يعتبر مأخذاً على كفاءتها ودليلاً على فشلها في العمل، دون أي اعتبار لصراعها من أجل التوفيق بين مسؤولياتها الأسرية والوظيفية، ولذا نجد أن كثيراً من النساء يقبلن بوظائف لا تلبي طموحهن لمجرد أنها تتيح لهن مزيد من الوقت للاهتمام بمسؤولياتهن الأسرية. وحين يتعارض الدوران وتفتقد المرأة التسهيلات التي تتيح لها الرعاية لأطفالها أثناء العمل فإنها تفضل التفرغ للمنزل وترك الوظيفة.
اضافةتعليق
التعليقات