(بمناسبة مرور 47 عاما على اغتيال شهيد الكلمة آية الله السيد حسن الشيرازي "قدس سره").
البرقُ يضربُ الأرضَ، الرعد يزمجر في السماء، ليلةٌ شتويةٌ باردةٌ، صوت قطرات المَطر، تضيء الزنزانة كلما ضرب البرق الأرض، هناك من يرتجف خوفا وآخر يرتعش بردا، وأنا أقف ما بينهما..
يسودُهم الصَمت وكأنّهم أموات لكنّهم أحياء عندَ ربهم يُرزَقون، الخَوف من بعدِ هذهِ الزَمجَرة السّماوية وماذا سيكون في الأرض؟
وضعَت رأسَي في حجرتي وأخذت أرتب كلماتي .. كنت هادئاً لكنّ جسّدي يَرتَعش كسَعفةِ نَخلةٍ خاويةٍ.
أُراقب أحداث السّماء، من ثقوب الزنزانة، قطّعني صوت أحدهم وهو يصُك أسنانَه متى تنتهي هذهِ الليلة؟
سَتنتهي؟ لَم يبقَ لطلوعِ الفَجر سوى سُوَيعات، يهدأ تارةً ويضجُّ تارةً أخرى، بين أصوات قطرات المطر هناك أصوات أخرى في الحجرةِ المقابلةِ لنا، صوتُ أزيز الكهرباء يضرب في أرجاءِ الحجرة، فيعكس الصَوت، لا يُمكنني أنْ أنقل لكم هذا الصوت كيف كانَ يضرب في آذاننا، لا شيء غيرَ رائحة الجَسد المُتفحِم من أزيز الكهرباء تخرج بعدَ ساعة من الحجرة.
متى ستنتهي هذه الليلة؟
في ركنِ الحجرة العتيقة التي كَتبَ عليها الراحِلونَ أسمائهم وتوصياتهم، يتأمّل متى يكتب اسمه بينهم.
جدرانَها وقد خُطّت بعض العبارات بالدم، جالس تداهمني الأفكار والذكريات القابعة في رفّ ذاكرتِي، أقرأ تلك الكلمات بصوتٍ حزين، "أمي أنا هُنا ارقدي بسلام" تحتَ هذه الجُملة (لا تخافي الحجرة فيها ماء). على اليمين سأخرج منها يوم الاثنين، ستدفعين ثمن الطلقة يا أمي".
بدأ الفجرُ يعلو في أطرافِ المدينة، كنت أشعر بضوء فجر الأحلام داخل هذهِ الزنزانة أعرف نظام الكون، أصوات مفاتيح تقترب من الزنزانة لعلّ الحارس أو أحد زارَنا اليوم، بقيت صامدًا قرب الزنزانة.
فُتح الباب من حسن مهدي
_ نعم، قالها حسن
_ تعال معي .
_ إلى أين؟
_ إلى القاعة رقم(5) .
أخذَ يُقيدني ويَعصب عينَي بقوة، أغلقَ الحارسُ الزنزانة بصوتٍ عال.
كنت أسير ومعي المناجاة والدعاء والخلاص من هذه الزنزانة، لا يطولُ الطريق، سمعت صوتَ رَصاص، عرفت أنَّ هذه غرفة الإعدام .. أشد إيلامًا من هذا الحال، إنك لا تعرف أي جهة تقاد وأي زنزانة تدخل..
وماذا ستذوق ألم التعذيب وظلام السجن، مئاتِ الأسئلة التي حضرت في ثواني؟!
ونياطُ قلبي تتقطع بمديةِ الحزن والألم، هل مصيرنا هذا؟ وحتى لا تذرف دموعي، الضابط انزعج من هذه المناجاة التي كنت أرددها ..كنت أكتب بقصاصات السكائر بعض الخواطر وأجمعها ..
وتمضي الدقائق يتخالسان النظر فيما بينهم ضباط الأمن، ماذا بعد، توقف كياني كله وتتابع أنفاسي، أشم ريح أمي ..
بعد مرور ساعات طلب الضابط المقيم أن يسمح لي باللقاء الأخير، ينتفض وجه الضابط بالغضب والحقد وكان ينتظر ساعة الصفر حتى يقودني إلى المشنقة ولكن إرادة الأعلى منه هو السجن والتعذيب.
في حجرة لا تتجاوز أمتار صغيرة أنتظر قدوم والدتي الحنون .جلست هناك أرتعد من التأثر والدموع تفيض من قلبي وتترقرق من مقلتي، فجأة شممت ريح يوسف إنها ريح أمي..
في هذا سجن (قصر النهاية) على جسدي آثار حروق واضحة بالمكواة الكهربائية، وضرب بالعصي والحديد، يدي تؤلمني فهناك كسر في يدي وساقي..
علامات الجوع كانت واضحة فهناك تشقق في شفتي وشحوب في وجهي مع تساقط شعيرات حاجبي ورموشي من أثر الصعقات الكهربائية ..
خائفا ماذا تفعل أمي ..
دخلت وهي تمسك بحجابها خائفة، لا تخافي يا أمي أنا حسن ..
أذرفت بقايا دموعها ماذا فعلوا بك يا قرة عيني وأين تلك الملامح ..
لا تحزني الأمر بات قريبا يا أمي.. ظللت أحدق إلى وجهها، متوهجٍة القلب، دقائق انتهت الزيارة، الأحضان الأخيرة تبقى في ذاكرة الراحلين .بينما صور التعذيب تمرّ أمام ناظري كنعوش تحمل أصحابها.
ما لفت نظري في هذه الزنزانة أن السجناء هنا لهم حكاية أخرى وهي قطع أعضائهم فهناك من قطعت يداه وآخر كسرت أقدامه، وآخرون فقدوا النطق.. يا رب متى تنتهي هذه الأوجاع؟.
أتنفس عميقا ها هو الضابط مرة أخرى يقودني نحو الزنزانة .كانت أنفاسي مسرعة، أمسكت نصف قلم قد تركه سجين آخر ودونت هذه الكلمات:
إهداء: إلى من لم يفهموني.. أكثر من تعرّفوا عليّ لم يفهموني، فانتقدوني، واليوم أدفع إلى من لم يفهموني مادّة جديدة لانتقادي، عساي أفرغ بها شحنات صدورهم، فلا يصبّوها على الأبرياء الآخرين..
أما أنا فلقد تعوّدت أن أسمع النقد الجاهل، دون أن يحرك شعرة في عيني.. فلهم ما يشاؤون أن يقولوه عن غيرهم.. و ليَ الله.
حسن..
اضافةتعليق
التعليقات