تمر المجتمعات الشرقية اليوم بدعوات كثيرة تطالب فيها بتقوية المرأة حقوقيا واسناد شخصيتها المستقلة في المجتمع العربي.
فما لا يمكن صد النظر عنه هو أنه بالرغم من التطور الحاصل في العالم وعلى الأصعدة العلمية والاجتماعية والاقتصادية إلاّ أن هنالك فجوة ثقافية كبيرة يعاني منه المجتمع تجاه شخصية المرأة وكيانها المستقل.
فهنالك احصائيات كبيرة تشير إلى أعداد مهولة من الفتيات اللاتي حرمن من التعليم بسبب العادات والتقاليد وإصرار الأهل على ملازمة الأعباء المنزلية.
فالمرأة هي التي باتت تدفع ثمن الفقر والعنف والجهل الذي تمر به العائلة وبالتالي تقاد بعد فترة معينة إلى عش الزوجية حاملة في داخلها بقايا طفلة لا تعرف القراءة والكتابة تدعو الله أن يكون الخاطب رجلا صالحا لا يعنفها ولا يضربها ولا يهين كرامتها مثلما كان يحصل معها في بيت والدها.
ولكن الأمر أحيانا لا يتوقف عند الأهل فقط، فهنالك عوائل ربت بناتها على الاحترام والكرامة حتى كبرت الفتاة وتزوجت واكتشفت بأنها تعيش مع رجل يعنفها ويهين كرامتها التي وهبها الله تعالى لها!
وهنا ستقف المرأة عند مفترق طريق، إما تكمل حياتها مع رجل لا تحمل له في قلبها أي مودة بسبب التعنيف والمواقف القاسية التي مرت بها معه، أو تأخذ خطوة الانفصال وتتركه إلى الأبد.
هذه هي حقيقة مجتمعاتنا بعيدا عن التطور وصيحات الموضة والبديكير والمنيكير إذ إن هنالك الكثير من النساء اللاتي يمرنّ بحالات التعنيف والتهميش من قبل عوائلهن وأزواجهن، وغالبا تلك التي تحاول أن تستمر في حياتها لا يكون لها طريق آخر تسلكه فتعقيها خوف المجازفة أو عدم التوفر المعين أو السند الذي سيقف معها ويحميها.
ولكن المصيبة تكمن في مجتمعات بنيت على الأسس الإسلامية وعلى النهج المحمدي الأصيل.
كيف لرجل أن يخرج من عمق المجتمع الجاهلي ويشاهد أمام عينه المرأة تحتقر وتدفن حية فيأتي هو بدوره يكرمها ويعاملها بأحسن معاملة!
فلو نسترجع التاريخ سننصدم من طبيعة العلاقة التي كانت تجمع بين الرسول الأكرم وبين النساء في فترة حياته الشريفة.
فقد كانت علاقته بزوجته السيدة خديجة علاقة استثنائية وفريدة من نوعها، مبنية على أسس الحب والاحترام، إذ كان يكن لها أعظم تعابير الحب والمودة فكان يعبر عن حبه وهيامه بها ويقول "إني قد رزقت حبها"[1] إذ كانت أحبّ نساء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى نفسه الشريفة، فقد ورد عن عائشة: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة، فيحسن الثناء عليها، فذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلاّ عجوزاً، فقد أبدلك الله خيراً منها! فغضب حتى اهتزّ مُقدّم شعره من الغضب، ثم قال: «لا والله ما أبدلني الله خيراً منها، آمنت إذ كفر الناس، وصدّقتني وكذّبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً إذ حرمني أولاد النساء». قالت عائشة: فقلت في نفسي: لا أذكرها بسيئة أبداً.[2]
وعن عائشة أيضاً: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا ذبح الشاة يقول: «أرسلوا إلى أصدقاء خديجة»، فذكرت له يوماً، فقال: «إني لأحبّ حبيبها»[3] .
ولم يتزوج رسول الله غيرها في حياتها لما كان لها شأن وحب عظيم في قلب رسول الله فقد أكرمها وخاف الله بها ورسم بذلك أعمق معاني الحب والاحترام عن الحياة الزوجية التي تجمع بين المرأة والرجل.
وأما علاقة الرسول الأعظم ببنته فاطمة الزهراء (سلام الله عليهما) فقد تجلت بعلاقة أبوية رائعة كانت عكس المفهوم الجاهلي عكسا تاما، وصورت أبرز معاني حنان الأب الى بنته، فقد بلغت السيدة الزهراء في قلب النبي الأكرم مبلغاً الى الحد الذي جعله يصرح مراراً وتكراراَ "فداها أبوها"[4]، فقد كان الغزل هو من أبرز السمات التي يتصف به الرسول مع عائلته، فكان دائما يستخدم تعابير الحب الصريحة ليعبر بها عن مدى تفهمه لكينونة المرأة العاطفي.
فكان حزنه من حزنها ومسرته من مسرتها، فكان يقول بأن "فاطمة بضعة مني من أغضبها فقد اغضبني" وكان يناديها ب "أم أبيها" تعبيرا عن العلاقة الاستثنائية التي تجمع بين الأب وبنته ودلالة على كمية الحنان والحب التي كان يستشعرهما الرسول الكريم مع ابنته فاطمة.
وكذلك الحال مع النساء بصورة عامة فقد كان رحيما ورقيقا في التعامل ويوصي الرجال على مداراتهن والتعامل معهن بما يرضي الله، والرجل الذي يستهين بالمرأة أو يحتقرها يعتبره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لئيماً ساقط الأخلاق حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أكرم النساء إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم"[5]
وهكذا نشاهد كم أن الرسول قد ناشد بحقوق المرأة وحاول أن يفرض شخصيتها في عموم المجتمع ليكون لها نصيبا في الحياة مثلها مثل الرجل.
فقد تمتعت السيدة خديجة والسيدة فاطمة الزهراء بمكانة عالية عند الرسول الكريم وانعكس ذلك على عموم المجتمع لتبقى هذه المكانة الإلهية مميزة وساطعة إلى يومنا هذا فالمرأة هي الكيان الأساسي الذي من بين أناملها تخرج الرجال، فإذا صلحت المرأة وعاشت بكرامة وتمتعت بالحقوق التي أقرها الله تعالى لها صلح المجتمع وعاش في توازن إذ إن من سابع المستحيلات أن يقف المجتمع على قدم واحدة!.
اضافةتعليق
التعليقات