رآها في عالم الأرواح تحتضن صغيرها وهي تقول: (لا تقلق ولا تخف فنحن هُنا بأمان)، اقترب منها وقد استغرب ارتعادها وخوفها من اقترابه، سألها: ما بكِ؟
بإرتجاف راحت تحكي له ما جرى عليها..
انتابني جوع شديد قادني لمغامرة دخول القرية التي كانت تلازم الحديقة التي بها أسكن، أخذت أدور بها مُتحيرة أبحث عن شيء أسد به رمقي، لجأت لمجموعة من البشر وخواء معدتي قد أنهكني، استجديت عطفهم وإذا بهم يناولوني ثمرة، لم أطق صبراً، التهمتها ورحت أمضغها، تفجر شيء داخلها مزق لثتي وحرق أسناني، بكيت ولم يسمعني أحد..
رحت أدور بألمي والقيح يملأ فمي، أتبع سراب أن هناك من سيرق لحالي ويحاول معالجتي، جُل تفكيري كان بمصير ولدي الذي يستقر بأمان داخلي، اعتذرت له فبسبب ثقتي بالبشر عرضته للخطر، أهملوني جميعهم، اشتد بي الألم ونزيف فمي، لجأت للماء لعله يخفف عني، حتى جاءتني رحمة الرب التي رفعتني هُنا حيث لا ألم ولا بشر.
هز رأسه لتتناثر الدموع بعيداً عن وجهه وقال: هل كان أولئك يعرفون جعفر ابن محمد؟
استغربت سؤاله وأجابت: لا فإني جئت من زمن، من يعرف جعفر جمع ليس بالكثير ومن يتبعه أقل عدداً أما من يسير على منهجه فهم نوادر ليس إلا.
تنهد وقال: قصتكِ أرغمت ذاكرتي على جر شريطها إلى ذلك اليوم الذي لجأت به مع زوجتي لكهف في أحد الجبال، حيث جاء زوجتي المخاض وراح عواءها يعلو من الألم، عصرت قلبي فكرة فقدانها، رحت أعوي وأجري مُسرعاً نحو النور الذي كان يحوي الأمان، ما إن اقتربت منه وإذا بمن حوله يقبلون نحوي وهمهم إبعادي، توسلتهم ولم يفهموا حديثي، سمعته يأمرهم بالإبتعاد عني، اقتربت منه وأنا أنتفض من هيبة مقامه..
طأطأت برأسي خجلاً وامتثالاً بين يديه، سألته الدعاء لزوجتي وتوسلته أن يسأل الله تحقيق مُنيتي بأن يرزقني الله ذكر يوالي سادات الكون وأشراف الأرض والسماء، وعدني خيراً وضمن لي سلامتها، فاطمأن قلبي وعُدت مسرعاً لها، لأجدها قد وضعت ابني وهما بخير، وبعد فترة أخذت ولدي لمحضر قدسه لأشكره على جميل لطفه بنا، فأمرنا أن لا نؤذي من يواليه فضمنت له ذلك.
رفعت رأسها وهي تقول: أيها الذئب المتشرف بدعاء مولاكَ الصادق، أما تدري بأن البشر في الزمان الذي أتيت من قد هجروا جعفر وآبائه وأبنائه بل حاربوهم ومن ينتمي لهم، لذلك هم كُل يوم ينسلخون عن الإنسانية ويغرقون في وحل توحش اللاإنسانية، وكل ما تسمع عن حقوق الإنسان والحيوان ماهو إلا شعارات واهية يسترون بها قبح أفعالهم وأنانيتهم، فلا معنى للإنسانية بعيدة عن سادات الإنسانية وحقيقتها.
اضافةتعليق
التعليقات