إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وأمرهم بعبادته وطاعته، وأرسل إليهم الرسل واﻷنبياء لتبين لهم طريق عبادته كي لا تكون لديهم حجة يحتجون بها.
فاﻷرض لا تخلو من حجة وقائد في كل زمان، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخر الرسل واﻷنبياء فجعل الله سبحانه من بعده أهل بيته أفضل الخلق أجمعين أئمة وقادة وسادة، فرض طاعتهم على العباد والتسليم لهم.
والامام الحسن صلوات الله عليه من أهل البيت سلام الله عليهم الذين فرض الله عز وجل طاعتهم ومحبتهم على العباد وأوصى بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولكن اﻷمة لم تراع ذلك وخذلت الإمام الحسن عليه السلام وظلمته حتى زماننا هذا فيتحدثون بما لا يعلمون، ويعترضون على ماقام به الامام الحسن من توقيعه المعاهدة مع معاوية، وكأنهم يعلمون ماهو الفعل الصحيح أكثر من امامهم، فيعترضون بدون أن يحيطون علما بالموضوع أو يبحثوا في التاريخ عنه. ويحكمون بعقولهم التي لا تدرك معرفة الامام العظيم صلوات الله عليه، والذي رأى المصلحة في قبول المعاهدة بعد ما رأى الموقف المتخاذل من اﻷمة، وبقاء القلة من الشيعة المخلصين معه فرأى الإمام المصلحة في أن يحافظ على حياتهم كي يبقى ذكر محمد وآل محمد صلوات الله عليهم كما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله المصلحة في صلح الحديبية.
قال معاوية للحسن بن علي عليهما السلام: أنا أخير منك يا حسن، قال: وكيف ذاك يابن هند؟ قال: ﻷن الناس قد أجمعوا علي ولم يجمعوا عليك، قال: هيهات هيهات، لشر ماعلوت، يابن آكلة اﻷكباد، المجتمعون عليك رجلان: بين مطيع ومكره، فالطائع لك عاص لله، والمكره معذور بكتاب الله، وحاش لله أن أقول: أنا خير منك فلا خير فيك، ولكن الله برأني من الرذائل كما برأك من الفضائل.
ومن ناحية أخرى فإن معاوية هو من كتب في الهدنة والصلح الى الامام الحسن صلوات الله عليه وبعث إليه كتب أصحابه الذين ضمنوا لمعاوية فيها الفتك بالامام وتسليمه اليه. ومما كتبه إليه قوله: "إن الناس قد غدروا بك وبأبيك من قبلك. وعرض عليه الصلح بشروط أخذها معاوية على نفسه". القمة والهاوية بين الامام الحسن ومعاوية، علي الموسوي، ص126.
يقول الامام الحسن عليه السلام: ".. والله ماسلمت اﻷمر إليه إلا أني لم أجد أنصارا، ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه، ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا، إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل، إنهم لمختلفون، ويقولون لنا: إن قلوبهم معنا وإن سيوفهم لمشهورة علينا". الاحتجاج للطبرسي، ج2، ص12.
عن سليم بن قيس قال: قام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام على المنبر - حين اجتمع مع معاوية - فحمد الله وأثنا عليه، ثم قال: أيها الناس، إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا، وكذب معاوية أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبي الله. فأقسم بالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني ﻷعطتهم السماء قطرها واﻷرض بركتها..." كتاب سليم بن قيس الهلالي، ص459.
وقبل أن يصادق الامام الحسن عليه السلام على وثيقة الهدنة بينه وبين معاوية كتب رسالة إلى معاوية جاء فيها: لي شروط أشترطها، ﻷبتهضنك إن وفيت لي بها بعهد... وبعد أن وصلت رسالة الإمام إلى معاوية بعث بورقة بيضاء مختومة إلى الامام عليه السلام حتى يكتب فيها شروطه لتوقيع اتفاقية الهدنة وهذا نص ما كتبه الإمام عليه السلام:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام معاوية بن أبي سفيان صالحه على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة الخلفاء الصالحين وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد ﻷحد من بعده عهدا بل يكون اﻷمر للحسن من بعده فإن حدث به حدث فﻷخيه الحسين، وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وعلى أن اصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه، وعلى أن لايبغي للحسن بن علي ولا ﻷخيه الحسين ولا ﻷحد من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غائلة، سرا ولاجهرا، ولا يخيف أحدا منهم في أفق من اﻵفاق، وأن يترك سب علي عليه السلام والقنوت عليه بالصلاة، وأن لا يذكر عليا عليه السلام وشيعته إلا بخير....
ثم كتب معاوية الشروط بخطه وختمه بخاتمه، وبذل عليه العهود المؤكدة، واﻷيمان المغلظة، وأشهد على ذلك جميع رؤساء أهل الشام.. وأوصله إلى اﻹمام عليه السلام". المعاهدة بين الامام الحسن ومعاوية للشيخ فاضل الفراتي، ص96-97.
وبالطبع معاوية لم يف بأي من الشروط وبذلك قد جعل مولانا الحسن صلوات الله عليه المشروعية لقيام الامام الحسين صلوات الله وسلامه عليه ووقوفه بوجه الطغاة الطامعين.
إن أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم هم المثل اﻷعلى للأخلاق العظيمة ومنهم تأخذ الناس وتتعلم الخلق الحسن، فاﻹمام الحسن عليه السلام في شمائله آية الانسانية الفضلى، ما رآه أحد إلا هابه، ولا خالطه انسان إلا أحبه، ولا سمعه صديق أو عدو وهو يتحدث أو يخطب فهان عليه أن ينهي حديثه أو يسكت. وكان من تواضعه على عظيم مكانته إنه مر بفقراء وضعوا كسيرات على اﻷرض، وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها، فقالوا له: هلم يا بن رسول الله إلى الغداء، فنزل وقال: إن الله لا يحب المتكبرين، وجعل يأكل معهم. ثم دعاهم إلى ضيافته فأطعمهم وكساهم". صلح الحسن عليه السلام، ص27.
فالسلام عليك مولاي أيها الزكي المجتبى، منّ علينا بعفوك وقبولك.
اضافةتعليق
التعليقات