عم الغضب شوارع الهند بعد أنباء عن جريمة مروعة أخرى، وهذه المرة هي عملية اغتصاب جماعي وقتل كانت ضحيتها طبيبة بيطرية في منتصف العشرينيات من عمرها في مدينة حيدر أباد الجنوبية.
وقد عثر على بقايا جثة متفحمة تحت جسر في المدينة بعد اختفاء الفتاة الأسبوع الماضي. وألقي القبض لاحقا على أربعة رجال يشتبه بأن لهم علاقة بالقضية.
هزت وحشية الاعتداء البلاد، إذ لا يزال الاغتصاب والعنف ضد النساء في أعلى مستوياته. فقد شهد الأسبوع الماضي الإبلاغ عن خمس حالات اغتصاب، من بينها واحدة كانت ضحيتها طفلة تبلغ من العمر ست سنوات "خنقت حتى الموت بحزام المدرسة الذي كانت ترتديه".
وتقول نساء هنديات على وسائل التواصل الاجتماعي إنهن ما زلن "يعشن في حالة هلع"، ويتعين عليهن التصالح مع أنفسهن ومع الواقع، منفذات النصائح الشائعة: "لحماية نفسك، ارتدي ملابس مناسبة ولا تخرجي بدون مرافق أو ببساطة إبقِ في المنزل".
إن المجتمع الهندي غارق في النظام الأبوي، وإلقاء اللوم على النساء في حال تعرضهن للاغتصاب والعنف الجنسي ليس أمراً غريباً في هذا المجتمع.
أجبر حادث الاغتصاب الجماعي المروع وقتل طالبة في عام 2012، والاحتجاجات العامة التي أعقبت ذلك، الحكومة على إصدار قوانين أكثر صرامة لمكافحة الاغتصاب في العام الذي تلا الحادث.
لقد شددت التشريعات الجديدة العقوبات على جرائم أمثال الهجمات برش مادة الحمض الحارقة على الناس والملاحقات والتلصص.
وزاد القانون الذي صدر حديثاً من عقوبة السجن في معظم الحالات وفرض عقوبة الإعدام على جريمة الاغتصاب المتكرر أو الاغتصاب الذي يدخل الضحية في غيبوبة من بين تعديلات قانونية أخرى.
كما وُسع تعريف الاغتصاب ليشير صراحة إلى أن عدم وجود علامات صراع جسدي بين المغتصب والضحية لا يعني الموافقة على الفعل.
هل ساعدت هذه القوانين الضحايا؟
ولعل الأمر الجيد في القانون الجديد هو أنه ساعد في أن كثير من النساء بُتن يتقدمن للإبلاغ عن حالات الاعتداء الجنسي.
وتُظهر بيانات المكتب الوطني لسجلات الجريمة في الهند أن العدد قد ارتفع من 21،467 في عام 2008 إلى أكثر من 38،000 في عام 2016.
بيد أن النساء ما زلن يواجهن عقبات عند الإبلاغ عن الهجمات وفي أن يرين تحقق العدالة بشأنها أيضاً.
ويقول تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش إن الفتيات والنساء ما زلن يتعرضن للإهانة في مراكز الشرطة والمستشفيات وليس بمقدورهن الحصول دائماً على دعم قانوني أو طبي جيد.
عند الإبلاغ عن حالة اغتصاب، هل تجد النساء فرصا أفضل لتحقيق العدالة؟
ما زال النظام القضائي الجنائي في البلاد عرضة للضغوط السياسية، وثمة قضايا بارزة تخلص المتهمون فيها من العقاب وأخلي سبيلهم في المحكمة.
وثمة أيضاً تأخير في إصدار الأحكام القضائية، لذا تنتهي نحو حالة واحدة فقط من كل أربع حالات اغتصاب في الهند بحكم إدانة، بحسب بحث نشر في عام 2018، وحتى هذا المعدل المنخفض للإدانات نفسه هو فقط للحالات التي صدر فيها حكم.
وأوضحت الدراسة أن ما بين 12 إلى 20 في المئة فقط من قضايا الاغتصاب قد انتهت إلى نتيجة في المحكمة من بين مجمل حالات الاغتصاب التي أُبلغت الشرطة بشأنها في الهند خلال العقد الماضي".
ولا تزال هناك الكثيرات من ضحايا الاغتصاب في انتظار تحقيق العدالة، وقد يستغرق ذلك سنوات بعد وقوع حوادث الاغتصاب.
في العام الماضي، قالت الحكومة إنها ستنشئ ألف محكمة خاصة إضافية لتسريع التعامل مع قضايا الاغتصاب المتراكمة أمام المحاكم.
وكانت جريمة الاغتصاب الجماعي والقتل التي ارتكبت في عام 2012 إحدى القضايا التي تمت النظر فيها في واحدة من هذه المحاكم.
وأيدت المحكمة العليا في الهند عقوبة الإعدام بحق أربعة رجال متهمين في عام 2017، لكن خبراء قانونيين قالوا إنه الأمر قد يستغرق أشهر أو حتى سنوات حتى تنفذ هذه الأحكام.
"تحقيق العدالة"
هذا وقد احتفى مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي في الهند بنبأ مقتل المتهمين الأربعة. واعتبر الكثيرون على موقعي فيسبوك وتويتر أن تصرف الشرطة "حقق العدالة".
ومن بين المحتفين كانت والدة طالبة ماتت بعد تعرضها لاغتصاب جماعي في العاصمة نيو دلهي عام 2012.
وقالت الأم لإحدى وسائل الإعلام المحلية إنها "شديدة السعادة بهذا العقاب. الشرطة قامت بعمل رائع".
وزار مراسل بي بي سي ساتيش بالا موقع الجريمة، وقال إن حوالي ألفي شخص تجمعوا، ما سبب زحاماً مرورياً شديدا.
واصطفت السيارات على الطريق السريع، وأطلق المحتشدون هتافات في مدح الشرطة. وأغرقوهم بنثر أوراق الورود ووزعوا الحلوى.
لكن قلة من الناس شككوا في رواية الشرطة عما حدث مع المتهمين الأربعة.
قال براكاش سينغ، وهو شرطي متقاعد وأحد العاملين على إصلاح جهاز الشرطة، إن قتل المتهمين الأربعة "كان يمكن تجنبه".
وأضاف في حواره مع بي بي سي: "يجب اتخاذ تدابير احترازية أثناء نقل المتهمين للمحكمة أو إلى موقع الجريمة. يجب تأمينهم، وتقييد أيديهم، وتفتيشهم جيدا قبل خروجهم. فأي شيء قد يحدث إذا لم تكن الشرطة حريصة بشكلٍ كافٍ".
لكن سينغ قال إنه من السابق لأوانه "الجزم بما إذا كانت الواقعة قتلاً متعمّدا".
وبعد أيام من وقوع جريمة القتل والاغتصاب، احتج الآلاف أمام مركز الشرطة في حيدر آباد، وطالبوا بإعدام المتهمين.
وقالت جايا باشاشان، الممثلة السابقة وعضو الغرفة العليا في البرلمان الهندي مطلعَ الأسبوع إن المتهمين يجب أن "يقتلوا من دون محاكمة".
وجاءت تعليقاتها أثناء مناقشة في البرلمان، إذ قالت: "أعلم أن هذا التصرف قد يبدو قاسيا. لكن أمثال هؤلاء يجب أن يقتلوا علنا بلا محاكمة".
وأدان الكثير من النواب، من التيارات السياسية المختلفة، حادث الاغتصاب الجماعي والقتل.
كما خرجت مظاهرات تأبين للضحية التي يحظر القانون الهندي ذكر اسمها. حسب بي بي سي
هل أن معدل العنف الجنسي في انخفاض؟
في العام الماضي فقط، أشار استطلاع أجرته "مؤسسة طومسون رويترز" إلى أن الهند كانت أخطر بلد بالنسبة للنساء، متقدمة على أفغانستان وسوريا والسعودية في هذا الصدد.
ووفقًا لآخر أرقام الجرائم الرسمية، سجلت الشرطة 33658 حالة اغتصاب في الهند في عام 2017 - بمعدل 92 حالة كل يوم. ومع ذلك، يجدر بنا أن نتذكر أن العديد من حالات الاغتصاب في الهند لا تزال من دون إبلاغ عنها. كما أصبح استهداف الأطفال في مثل هذه الجرائم مصدر قلق كبير.
وتشير سجلات الجريمة في الهند إلى أن حالات اغتصاب الأطفال القاصرين المُبلغ عنها قد تضاعفت أكثر من الضعف بين عامي 2012 -2016.
ويؤدي تفضيل الأطفال الذكور إلى عمليات إجهاض غير قانونية لاختيار الجنس، ما يعني أن هناك حوالي 112 ولداً مقابل كل 100 فتاة.
وفي ولاية هاريانا الشمالية، التي تسجل أكبر عدد من حالات الاغتصاب الجماعي في الهند، أسوأ نسبة بين الجنسين في البلاد.
وتقول نيتا بهالا، وهي صحفية تغطي قضايا المرأة في جنوب آسيا: "على الرغم من النمو الاقتصادي المذهل للبلاد والتأثر بالليبرالية الغربية خلال العقدين الأخيرين، إلا أنه لا يزال ينظر إلى النساء كأشياء يجب استغلالها على نطاق واسع".
ويعتقد الكثيرون أن صناعة الأفلام الهندية تعزز الصور النمطية الجنسية.
كان هناك عدد من الأفلام، في كل من بوليوود وصناعات السينما في الولايات الهندية،"يُمجد فيها المتحرشون، وتظهر أفعال ذكورية سيئة وكأنها أمر طبيعي، أو تظهر التحرش الجنسي كشكل شرعي من المغازلة"، وفقًا لما ذكرته ديفيا أريا، مراسلة شؤون المرأة في بي بي سي في الهند.
وثمة لا مبالاة عامة أيضا "فحقوق النساء وأمنهن لم تصبح أبدا قضايا انتخابية"، بحسب سوتيك بسواس مراسل شؤون الهند في بي بي سي، الذي أضاف: "يبدو أن معظم الأحزاب السياسية، بما في ذلك حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي، لا تعترف بها وتتعامل معها على أنها أزمة مجتمعية مستديمة". حسب رويترز
اضافةتعليق
التعليقات