بينما كنت منهمكا في ترتيب عملي على جهاز الكمبيوتر خاصتي، كان جل تفكيري إنهاء البحث الذي قد قضيت ليالي عديدة بتجهيزه، وبينما كنت منشدّا بالحديث مع الدكتور الذي سيشرف على مناقشة الدكتوراه، انقطع التيار الكهربائي فقفزت مذعورا، ابحث عن المصباح اليدوي وسط ظلام الحجرة المعتمة، ومن هتافي لزوجتي لأسألها عن مكان المصباح استيقظت ابنتي الصغيرة مرتعبة وتعالى صوتها بالبكاء، ثم دلفت أمها منزعجة، متذمرة من تصرفي الهستيري، وبدوري أنا نعتها بالمهملة، لتركها للصغيرة وحدها في المهد، بينما هي تركتها معي، ليتسنى لها إكمال أعمال المنزل، وتحول النقاش إلى جدال، ثم شجار، فخرجت من الغرفة تكفكف دموعها، وهنا قد عاد تيار الكهرباء فسكن روعي وهدأت أعصابي ثم جمعت شتات أفكاري لأرتب إحداث ما جرى، وأنا اسأل نفسي ما الذي أوصلنا لهذا الخلاف الذي بغير عادة؟ ما أنا بجاهل، أو همجي، ولا هي بزوجة مهملة، أو غير مسؤولة، فأدركت سبب اندلاع المشكلة وهو انقطاع التيار الكهربائي المفاجئ، الذي أثار حفيظتي وجعلني اخرج عن شعوري لا إراديا.
هذا ما حصل مع زيد إبراهيم، وقد يحصل لكثير من المواطنين بسبب انقطاع التيار الكهربائي الدائم والمستمر وبشكل يومي مما يزيد من معاناتهم لأنها تمس مختلف جوانب الحياة بالإضافة إلى تأثيراتها وانعكاساتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية والنفسية، وتعد هذه الأزمة امتداداً لمجموعة متواصلة من الأزمات تتصاعد حدتها بتغير الظروف والسياقات المؤثرة بها، حيث باتت أزمة توفير الكهرباء بشكل دائم، أمنية أزلية وشبه مستحيلة.
الكهرباء والفيس بوك
تناقلت مؤخرا مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاكات مختلفة في السياق نفسه حيث نشر احدهم بوست يناشد به الجهات المعنية كتب فيه (إلى الماء يسعى اللي يسمطه الحر.. إلى أين يسعى إذا كهرباء ماكو).
فرد عليه آخر (أوصي باستخدام الكوز وقد صدق العراقيون عندما أسموه الحب، لمن يعاني اضطرابات في المثانة يمكن ربط مغناطيسين بجوانب الحب، يفضل تغطية الحب بطبق خوص واستخدام طاسة من جوز الهند أو خشب الأبنوس مع الحذر من تركها في الماء حتى لا تنمو فطريات).
وهكذا تحولت معاناة المواطنين إلى هزل يطفئوا به لهيب قلوبهم المستعرة مع حرارة الجو.
ولم تتوقف مشكلة انقطاع الكهرباء على الجوانب الاجتماعية، والنفسية، والصحية، بل حتى الاقتصادية، والمالية.
تسرد الحاجة أم رضا حكايتها قائلة: "إن زوجي رجل طاعن في السن وهو مشلول وحرارة الجو في غرفته تزيد معاناته، وكثيرا ما يصيب المولد الخارجي عطل لأيام، فتزداد عليه وطأة المرض".
ومن جانب اخر يقول النجار موسى السيلاوي: "إن ماكنة تقطيع الخشب كبيرة الحجم وهي تعمل على التيار الوطني فقط، وهذا الامر يجعلني مربكا في إتمام عملي، واحيانا اتوقف لساعات عن العمل، بسبب استمرار انقطاع الكهرباء".
وأضاف: "بأنه لا يستطيع أن يسحب من المولد الخارجي خطا اكبر فذلك سيكلفه الكثير من المال".
ومن جهته يقول ابو نصير صاحب أسواق للمواد الغذائية: "إن استمرارية انقطاع الكهرباء سبب لي خسارة كبيرة، فقد فسدت اغلب البضائع المعلبة، حتى إني خسرت الكثير من الزبائن، وبالأخص الذين يتوافدون على شراء الايس كريم الذي توقفت عن إحضاره بسبب الكهرباء.
وأضاف مشيرا: "ان انقطاع الكهرباء ليس فقط يسبب تداعيات نفسية، ومشاكل أسرية، بل المشكلة الأكبر انه يسبب مشكلة اقتصادية، فكل الأمور الحياتية ترتبط ارتباطا مباشرا بالكهرباء، واني لأتمنى من الجهات المعنية أن تضع حدا لهذه المشكلة العويصة".
في سياق متصل تضيف المشرفة التربوية بشرى العبادي: "إن انقطاع الكهرباء لقد طال المسيرة التعليمية أيضا، من خلال تأثيرها على الطلبة في المدرسة وفي قاعات الامتحان، بالإضافة إلى المخاطر النفسية، والاجتماعية، والتأثير السلبي على قدرة الطلاب على متابعة دروسهم في ظل الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي".
واضافت العبادي: "وعلى الصعيد الاجتماعي لا يجب أن نغفل عن المخاطر المصاحبة لاستخدام الأساليب البديلة للإنارة كالشموع، وسوء استخدام المولدات وعدم وجود أنظمة الحماية الكافية فيها، وما يترتب عليها من كوارث أصابت، وقد تصيب العديد من العائلات".
وتابعت بقولها: "بعد كل هذه السنوات من المعاناة، والتي تسببت في العديد من الآثار السلبية في كافة القطاعات، يتطلب من صناع القرار الوقوف أمام مسؤولياتهم، لإيجاد حلول فورية لمشكلة الكهرباء، وذلك لمنع تدهور الأوضاع الإنسانية والمعيشية في العراق".
أثر انقطاع التيار الكهربائي
فيما قالت أستاذ علم النفس نور الحسناوي: "تتميز مشكلة الكهرباء بأنها المشكلة التي تفرض نفسها على تفكير الناس وتتحدى النسيان، ليس لأنها مشكلة يومية فقط، بل لأنها ذات تأثير على كل شيء، المنازل، المستشفيات، المراكز الصحية، المياه، الصرف الصحي وكل المصالح الحيوية، وذات تأثير على أغلب شرائح المجتمع".
وأضافت الحسناوي مؤكدة: إن استمرارية انقطاع التيار الكهربائي يؤثر على الوضع النفسي، والاجتماعي للمواطن، حيث يسبب الكثير من المشاكل بين الجيران بسبب المولدات الكهربائية المزعجة والتي تصدر روائح كريهة مع صوت مزعج، حتى امتدت هذه المشكلة لوصولها إلى الخلافات الأسرية، وذلك أيضا من الآثار النفسية السلبية المتراكمة على انقطاع التيار الكهربائي".
وتابعت بالقول: ان انقطاع التيار الكهربائي يؤثر بشكل مباشر على راحة الفرد، نتيجة الاضطرابات في النوم، وخاصة لدى الأطفال، فمنهم من يصاب بالمرض مثل الرشح أو ارتفاع درجة الحرارة بسبب التعرق وتغير الجو.
اضافة إلى الحوادث غير المتوقعة، مثل انفجار المولدات الكهربائية واحتراق المنزل، أو نتيجة إضاءة شمعة داخل البيت أثناء انقطاع التيار الكهربائي بالليل، ومن جهة أخرى، لا ننسى حالات الاختناق من التدفئة من خلال الفحم في فصل الشتاء، والى جانب ذلك فقد قلت الزيارات الاجتماعية وصلة الرحم بين الأقارب، وحتى إقامة المناسبات، وكل هذا نتيجة انقطاع التيار الكهربائي.
الكهرباء والاقتصاد
ومن الجانب الاقتصادي حدثنا دكتور الاقتصاد ستار البياتي قائلا:
"تعد الكهرباء جزءا مهما من حياة الناس وانشغالاتهم، لاسيما في العراق، او البلدان التي تعاني من نقص الطاقة الكهربائية، كما في سوريا، ولبنان، ومصر وغيرها، وعلى الرغم من أن المشكلة في العراق أكبر وأكثر تأثيرا لعدم معالجتها جديا، وكانت احد أبواب الفساد بعد أن تم صرف بما لا يقل عن (٣٩) مليار دولار على الكهرباء، والحال باق كما هو منذ عام 2003، علما إن هذا المبلغ يمكن أن يمثل عدة موازنات عامة لدول مختلفة".
وأضاف البياتي: "ومن تأثيرات الكهرباء على الاقتصاد، فمن الواضح ان الكثير من المصانع، والشركات، والورش، تعتمد في عملها، أو إنتاجها على الطاقة الكهربائية، وان نقص الطاقة الكهربائية يعني تحمل المزيد من التكاليف والأعباء الإضافية، ولذلك سيضر هذا الأمر حتما بالعملية الإنتاجية، ومن ثم التأثير السلبي على تكوين الناتج المحلي الإجمالي، والذي يساهم في تكوينه ليس القطاع العام فحسب، وإنما القطاع الخاص كذلك، ولهذا سبق للقطاع الخاص ممثلا باتحاد الغرف التجارية واتحاد الصناعات العراقية، إن قدم العديد من المقترحات إلى الجهات المسؤولة للنهوض بالاقتصاد العراقي، من بينها ضرورة توافر الطاقة الكهربائية، لبعض المصانع من اجل ديمومة عملها وإنتاجها لساعات معينة من النهار، ولكن للأسف لم تحصل الاستجابة".
وتابع البياتي حديثه قائلا: "والمسألة الأخرى التي لها تأثير اقتصادي، هي الأجواء الحارة، التي يتميز بها العراق، فهي تساعد على الخمول والكسل، وربما تؤدي إلى مزيد من الأمراض، التي تترك آثارها السلبية على صحة المواطن، أو الموظف، أو العامل، مما يعني انخفاض قدراته الإنتاجية، وتراجع الأداء الاقتصادي، وكل ذلك تكاليف باهضة يتحملها الاقتصاد والموازنة العامة".
ويشير بقوله عن الناحية الاجتماعية والدلالة السلبية لغياب الكهرباء: "فهو يتمثل بكثرة الجرائم وتزايد العصابات لان غياب الكهرباء يشجع ربما على ارتكاب الجرائم المختلفة، ناهيك عن الأفعال والجرائم الأخلاقية، وتعاطي المخدرات وتهريبها، بل تتداخل الجريمة هنا بحيث يمكن ارتكاب حتى الجرائم الاقتصادية".
اضافةتعليق
التعليقات