تخيل معي أن تعيش في مكان غير آمن، تخاف فيه على نفسك ومالك حين تفقد الثقة بأقرب الناس لك، لا يكف ذهنك عن التفكير في المجرم فيتحول دماغك بين يوم وليلة إلى دماغ محقق حديث العهد بمهنته، الغضب أو الإحباط يزورك كل ساعة بينما يرن الألم في رأسك وقد يمتد بشراسة إلى معدتك فتذوق ألوان العذاب النفسي والجسدي في الوقت الذي يجب أن تصرف فيه وقتك على التخطيط والابتكار وتنفيذ مخططاتك المستقبلية ومزاولة أعمالك بسكينة وسلامز
كل هذا ستتعرض له دون مبالغة عند حدوث السرقة بل ستواجه أضعاف ذلك في حال تكرارها في فترات متقاربة، حيث تستنفد طاقتك وتعيش قلقا متواصلا حتى تتبين لك هوية اللص، آنذاك لن يهنأ عيشك أو تصفو أوقاتك لأنك الآن في مرحلة حرجة أيضا لمواجهة شخص لا يملك أدنى وازع ديني أو قيم ومبادئ تردعه عن ارتكاب الجرائم.
من السهل جدا أن يقلب الطاولة عليك ويتهمك بالأباطيل إذا اكتشفت أمره ونزعت قناع براءته، فمن تسول له نفسه مد يده لا يؤمن مكره وبوائقه، فهو على أتم الاستعداد لهتك حرمة الشهور والأيام وحرمة القرآن فما أجرأه على الله ورسوله إذ يقسم بالكتاب الكريم كذبا وزورا، وما أقل عقله حين باع حظه بالأرذل الأدنى وشرى آخرته بالثمن الأوكس!!
لا فرق في حرمة فعلته الشنيعة بين الكثرة والقلّة ولو كانت بمقدار إبرة أو خيط، ولقد أشارت رواية أمير المؤمنين عليه السلام إلى ذلك: "والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلته، وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمها، ما لعلي ولنعيم يفنى ولذة لا تبقى، نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين".
فنلاحظ أنَّه عليه السلام اعتبر سلب النملة ماتحمله من شعيرة عصيان، ولقبح عمل السرقة جعل الله تعالى للسارق والسارقة حدّاً وعقاباً دنيوياً إضافة إلى ما ينتظرهما من عقاب أخروي في دركات الجحيم فقال سبحانه: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(المائدة:38).
فعندما خلق عز وجل الإنسان فرض على أعضاء جسده حقوقا وواجبات، ولليد كما لسائر الأعضاء حقا عظيما نجده مذكورا في رسالة الحقوق لمولانا زين العباد (عليه السلام): "وَأَمَّا حَقُّ يَدِكَ فَأَنْ لا تَبْسُطَهَا إلَى مَا لا يَحِلُّ لَكَ فَتَنَالَ بمَا تَبْسُطُهَا إلَيْهِ مِنَ اللهِ الْعُقُوبَةَ فِي الآجِلِ، وَمِنَ النَّاسِ بلِسَانِ اللائِمَةِ فِي الْعَـاجِلِ، وَلا تَقْبضَهَا مِمَّا افْتَرَضَ اللهُ عَلَيْهَا وَلَكِنْ تُوقّرِهَا بقَبْضِهَا عَنْ كَثِير مِمَّا يَحِلُّ لَهَا وبَسْطِهَا إلَى كَثِير مِمَّا لَيسَ عَلَيْهَا، فَإذَا هِيَ قَدْ عُقِلَتْ وَشُرِّفَتْ فِي الْعَاجِلِ وَجَبَ لَهَا حُسْنُ الثَّوَاب فِي الآجِلِ".
وقد يستغرب البعض العقاب الشديد للسارق وعدم تساهل الشارع المقدس في هذا الفعل المشين لصاحبه المؤذي لمجتمعه، لكن المتتبع للآثار السلبية والنتائج الوخيمة سيدرك مدى ضرر السرقة مهما حاول الفاعل استصغارها أو تبريرها بذكر مسبباتها، فالتربية غير الصالحة للأبوين ولقمة الحرام التي يطعمانها لأطفالهما، وأصدقاء السوء والأمراض النفسية الناجمة من الاحتياجات غير المشبعة، ونقص الوعي الديني والثقافي، وأمن العقاب وتفشي الفساد في أغلب مفاصل الحياة كلها أسباب تقود بصاحبها لمزالق التعدي على أموال الناس، لكن يبقى الضمير والنفس اللوامة وحجج الله تعالى الظاهرة والباطنة رادعا وجدارا صلبا ضد إغواء الشيطان وكيده الضعيف، ولا بد من الإشارة إلى عدم اقتصار السرقة على الجانب المالي المادي فقط، بل هي تتوسع لتشمل السرقات العلمية والأدبية وحتى سلب الجهد والوقت والطاقة، ولا تنحصر بسرقات البنوك وكنوز الذهب والفضة، فمن يسرق بيضة... غدا يسرق جملا!!
اضافةتعليق
التعليقات