• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

اللقاء الاخير

زينب الاسدي / الأربعاء 02 تشرين الثاني 2016 / حقوق / 1721
شارك الموضوع :

بعد ۳۱ عاما من الحیاة المشتركة، طلبت مني زوجتي أن أخرج للعشاء برفقة امرأة أخری ثم أدعوها للسینما لنقضي وقتتا ممتعا. قالت لي أحبك جدا

بعد ۳۱ عاما  من الحیاة المشتركة، طلبت مني زوجتي أن أخرج  للعشاء برفقة امرأة أخری ثم أدعوها للسینما لنقضي وقتتا ممتعا. قالت لي أحبك جدا؛ ولكن هذه المرأة تعشقك بكل كیانها، تهیم في بحورك دون وجل و تعیش غرامك بصمت دون أن تطلب المزید.

فهمت من القرائن أن تلك المرأة لیست سوی والدتي ‌التي‌ ترملت قبل ۱۹ عاما، ولكن تفاقم المسؤولیات و العمل المنهك و إدارة المنزل بزوجة و ثلاثة أولاد، أدی إلی انشغالي عنها دون قصد و إرادة.

اتصلت  تلك اللیلة بها و دعوتها للعشاء. كانت أمي  طویلة القامة مملوحة المحیا، رسمت خطوط الزمان في جبهتها  خوارط التفاني و متاهات التضحیات، یجول في عینیها بریق یدغدغ عرائس الأمل لتتراقص بإیقاع رزین علی حبال الأزمات، أما بشرتها الحنطیة فبیدر ینثر حبات الحب و السلام، لیسع الخلیقة كلها.

سألتني: هل حدث شئ یا ولدي؟! هل أنت بصحة جیدة؟

 كانت والدتي من النوع الذي تتحسب في الأغلب النتائج السیئة لدعوة غیر مرتقبة أو اتصال في وقت متأخر، لذا طمأنتها و قلت: لا أبدا، فقط أحببت أن أقضي لیلة سمر مع أمي العزیزة سنستمتع كثیرا.

فكرت للحظات ثم أجابت: حسنا اقتراح جید.

هرعت أضواء النهار تودع ساحات المدینة المزدحمة لتحل محلها أثواب اللیل المزركشة بأکالیل الأضواء المتضاربة في السطوع و التلألؤ.

اتجهت مساء الجمعة ناحیة منزلها، کنت قلقا قلیلا و عندما وصلت، لاحظت مضامین الریبة في وجهها، فقد بدت الدعوة مبادرة غریبة.

كانت ترتدي فستانها الماروني المزركش و الراقي الذي اقتناه لها والدي‌ في آخر ذکری لزواجهم.

بعد هنیهة علت وجهها ابتسامة تحتوي في طیاتها جل ألطاف الملائكة، همت بركوب السیارة و قالت: أخبرت صدیقاتي بأنني سأخرج معك، تأثرن جدا! و الکل بانتظار الثرثرة في هذه الواقعة اللطیفة و التعرف علی متاهاتها.

أزكمت رائحة الخبز الحار و اللحم المشوي الأنوف عند دخول المطعم، بدا  فاخرا و جمیلا، احتوی أجواء رومانسیة دافئة.

كانت تمسك ذراعي و كأنها ملکة تخطو خطاها نحو العرش، عندما استقر كل منا في مقعده، قرأت لها قائمة حتی تختار أکلتها المفضلة لأنها کانت تستطیع قراءة الحروف الكبیرة  فقط. 

لحظْتُ بنظرة من فوق اللائحة، وجدتها تترقبني بغرابة ترافقها ابتسامة حزینة أحاطت بسحنتها الشاحبة.

قالت: عندما کنت طفلا کنت أنا من یقرأ لك القوائم!

أجبتها مسرعا: و ما الضیر في ذلك؟  جاء دوري الآن لأقرأها و أكافئ قطرة من تضحیاتك في خضم البحور المتلاطمة في الحیاة.

استندت بظهرها إلی جسم المقعد القائم خلفها بتباه و استعلاء.

تصاعد البخار من الأطباق الملونة زکیا و معطرا. كانت حبات الزیتون الخضراء، ترصع صحن اللبن المرصوص بجانب القصعة الملكیة التي تصدرت الطاولة، و قد ملئت بصنوف اللحم المحمر و المشوي بعنایة ماهرة؛ تزینه خصل البقدونس و الریحان، و شرائح الطماطم اللذیذة بحمرتها الفائقة. کان المنظر شهیا لا یدع مجالا للمجاملة.

عند العشاء کنا متطابقین في کل شئ تقریبا و لم نختلف في الأذواق بتاتا، تحدثنا كثیرا و مطولا حتی لم یبق وقت للذهاب إلی السینما.

عندما أوصلتها إلی البیت في آخر المساء قالت لي: أحب كثیرا أن نخرج مرة أخری ولکن عدني أن تسمح لي باستضافتك في المرة القادمة. جاء صوتها لطیفا و هادئا أثار في خاطري ذكریات الزمن الماضي، تلك الرؤی التي خفتت أضواؤها الشمعیة و بهتت، أمام إضاءات العصر الحدیث الصاخبة و هیاجها العنیف.

لما وصلت إلی البیت سألتني زوجتي: حسنا! كیف كانت سهرة الأم و الولد التاریخیة؟!

كانت رائعة جدا فوق ما أتصور، لقد أمضینا وقتا ممتعا.

بعد عدة أیام، أصیبت أمي بنوبة قلبیة مفاجئة فارقت علی أثرها الحیاة! ذهبت مع كل شئ جمیل في وجودي، طارت مع سنونو الربیع عبر الأثیر باحثة عن مكان أفضل مما كانت فیه. حدث ذلك سریعا دون أن أتمكن من تقدیم المساعدة.

طوقت سلاسل الحزن عنقي بهیئة عجیبة! لم یسبق لي أن جربت مثل هذا الألم بتاتا. متقلبا أبدا بین الرفض و الخضوع تجرعت المرارة علی مضض هویدا هویدا!

بعد فترة وجیزة وصلني ظرف من المطعم الذي تعشینا فیه أنا و والدتي. كان فیه استنساخا لفاتورة، ترافقه ملاحظة صغیرة في جانبها: لن تتفهم أبدا یا ولدي كم كنت سعیدة تلك اللیلة، کنت أطیر كفراشة اكتشفت أرض العجائب الذي بحثت عنه مطولا. في الحقیقة لست متأكدة من قضاء وقت آخر برفقتك  لذا دفعت فاتورة عشاء لنفرین أنت و زوجتك، أحبك جدا!

في تلك اللحظة أدركت كم هي هامة كلمة أحبك، و كم هي عمیقة تلك الفكرة التي تدفعنا لتخصیص وقت نقضیه مع من نحبهم،  نتسامر و ننصت إلی أصوات اللیل و نتابع تراقص النجوم تحت سماء مرصعة في بعض الأحیان، لأن الفرص قد تتطایر دون رجعة.

لا سیما الأم، کیمیاء المخلوقات و عظمة الإبداع الإلهي الذي تجلی في هذا الخلق الملائكي.

یقول أحدهم تستغرق 6 أسابیع لتعتاد الأم الحیاة الروتینیة بعد ولادة طفل صغیر، و لكنه لا یفهم عندما تصبح المرأة أما یصبح للإعتیاد مفهوم آخر مختلف تماما عن الأذهان.

یقول آخر تستطیعین التعلم كیف تصبحین أما خلال أیام، إلا أنه لم یصطحب طفلا في الثالثة من العمر إلی الأسواق أبدا.

یعتقد البعض أن الأم المثالیة لا ترفع صوتها أبدا علی صغیرها لكنه لم یدخل إلی فناء الدار لیری كیف أن هذا الصغیر قد كسر شاشة التلفاز بكرته المطاطیة.

تقول الجارة لا تحب الأم ولدها الثاني كما تحب بكرها، إلا أنها لم تحظ بنعمة الولدین معا.

یقولون أن أصعب شئ في الأمومة هو الحمل و الولادة؛ لكنهم لم یجربوا أبدا حال أم ألبست ولدها هندام الجندیة لترسله إلی سوح الوغی.

یقول أحدهم أن مهام الأم الخارقة والصعبة ستنتهي بعد أن تزوج ولدها و تسكنه القفص الذهبي، إنه آخرالمطاف، ولكنه لم یحظ بحفید حتی تعتصره أوداجه كلما اشتاق لزیارته.

یقول الآخر: أمك تعلم كم تحبها، و لا حاجة لذكر ذلك علی لسانك، فهي ملمة بك و بمكنوناتك  ولكن هذا الآخر لم یجرب أن یصبح أما أبدا!!

الأم
الموت
الحياة
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    برنامج "Shark Tank" من أفكار بسيطة إلى شركات عملاقة

    كربلاء في عالم التقنية

    الزواج في الفكر الإلهي.. علاقةٌ مقدسةٌ ورباطٌ متينت

    حيوية في التسعينيات من العمر.. ما سرّ تمتع هذه المرأة بالنشاط والفرح؟

    حين تنطق الحروف: أثر الكلمة في إحياء النهضة الحسينية

    الإمام الحسين.. منارًا أخلاقيًا تحذو به الأمم

    آخر القراءات

    لتطوير مهاراتك الكتابية

    النشر : الأثنين 08 حزيران 2015
    اخر قراءة : منذ 19 ثانية

    إتحاد أدباء كربلاء المقدسة يحتفي بأعضائه الجدد

    النشر : الأثنين 07 كانون الأول 2020
    اخر قراءة : منذ 22 ثانية

    حواء... تألقي

    النشر : الخميس 23 آذار 2017
    اخر قراءة : منذ 26 ثانية

    تناقضات القرآن أم خطأ فهم البشر؟

    النشر : الأحد 29 حزيران 2025
    اخر قراءة : منذ 33 ثانية

    العلماء يفكون شفرة عمل دماغ الانسان أثناء الضجيج

    النشر : الأحد 15 كانون الثاني 2017
    اخر قراءة : منذ 34 ثانية

    ما السرُ خلف جمالك؟

    النشر : الأحد 18 كانون الأول 2022
    اخر قراءة : منذ 38 ثانية

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    زينب الكبرى: لم تكن عاديةً قبل الطف.. والطف لم يُصنعها بل كشف عظمتها

    • 682 مشاهدات

    قيمة الدمعة في مصاب سيد الشهداء

    • 532 مشاهدات

    النساء أكثر عرضة للزهايمر بمرتين... لهذه الأسباب

    • 423 مشاهدات

    الخدمة الحسينية… حين يكون الترابُ محرابًا والعرقُ عبادة

    • 419 مشاهدات

    واقعة الطف معركة عابرة، أم هي قضية حق وإصلاح؟

    • 392 مشاهدات

    الآباء والتكنولوجيا: كيف نعيد التوازن في تربية الجيل الرقمي؟

    • 372 مشاهدات

    مأساة مسلم بن عقيل: الغريب الوحيد في كربلاء ودروسٌ للشباب

    • 1292 مشاهدات

    كربلاء في شهر الحسين: رحلة في عمق الإيمان وصدى الفاجعة

    • 910 مشاهدات

    لمن تشتكي حبة القمح إذا كان القاضي دجاجة؟

    • 688 مشاهدات

    زينب الكبرى: لم تكن عاديةً قبل الطف.. والطف لم يُصنعها بل كشف عظمتها

    • 682 مشاهدات

    مدينة الانتظار: تُجدد البيعة والولاء في عيد الله الأكبر

    • 673 مشاهدات

    اكتشاف الذات.. خطوة لمستقبل أفضل

    • 640 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    برنامج "Shark Tank" من أفكار بسيطة إلى شركات عملاقة
    • منذ 5 ساعة
    كربلاء في عالم التقنية
    • منذ 5 ساعة
    الزواج في الفكر الإلهي.. علاقةٌ مقدسةٌ ورباطٌ متينت
    • منذ 5 ساعة
    حيوية في التسعينيات من العمر.. ما سرّ تمتع هذه المرأة بالنشاط والفرح؟
    • منذ 5 ساعة

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة