قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" البقرة ١٨٣.
معنى صام عن الأمر: أي امتنع عنه، امتنع عن الطعام والشراب في أوقات معلومة.... معجم المعاني. وعن الإمام الباقر "عليه السلام" قال: لا تقولوا هذا رمضان، ولا ذهب رمضان، ولا جاء رمضان، فإنّ رمضان اسمٌ من أسماء الله عزّ وجلّ، لا يجيء ولا يذهب، وإنما يجيء ويذهب الزائل ولكن قولوا: شهر رمضان، فالشهر المضاف إلى الاسم، والاسم اسم الله، وهو الشهر الذي أُنزل فيه القرآن، جعله الله تعالى مثلاً وعيداً.
ومن الجدير بالذكر أن شهر رمضان المبارك هو الشهر الوحيد الذي ورد ذكره في القرآن الكريم بقوله تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" سورة البقرة آية١٨٥.
وهبنا الله شهرا ميزه على بقية الشهور، قال النبي 'صلى الله عليه وآله': "فضل عليّ بن أبي طالب على هذه الأمة كفضل شهر رمضان على سائر الشهور".
ففي هذا الشهر يمتنع الانسان المؤمن عن الطعام وهذه صيغة الصيام الخاصة بالجسد، أما الخاصة بالروح فهي أعمق وأعظم فصيغة الصيام الروحية الامتناع عن الذنوب وكل ما يبعد الإنسان عن الخالق ويغضبه، فالصيام الروحي مكمل الصيام بشكله، هو ما يمنحه معناه الحقيقي وهو قلب المعنى، عن فاطمة الزهراء "عليها السلام": "ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يصن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه".
رواية عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" - لامرأة صائمة تسب جارية لها، فدعاها النبي 'صلى الله عليه وآله' لطعام فامتنعت لكونها صائمة –فقال (ص): كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك؟!
فجوهر الصيام هو كف الأذى بيد ولسان وغض البصر.
الحكمة من الصيام:
نتأمل حكمته من خلال:
_ الأبعاد التربوية: الصيام يبعد الشياطين، فعندما يبتعد الانسان عن المعاصي يراقب ربه، ويراقب تصرفاته يتعَبد ويزيد من حسناته بهذا يتقرب إلى الخالق فيجد لذة رضا الخالق، لهي المتعة الأسمى لا يُضاهيها متعة أخرى زائلة دنيوية، عندما يستمر الانسان بعباداته بتلاوة القرآن الكريم والأدعية يجد نفسه قد اعتاد على ذلك فالاستمرارية تؤدي إلى الاعتياد 'التطبع' فتجده حتى عندما ينتهي الشهر يشعر بالنقص إذا لم يعمل على ما كان يعمله خلال الشهر فتجده لا يجد الراحة إلا حين يعود إلى العبادة. وهذه هي تربية شهر رمضان لنا. فهو نعمة الخالق لنا وما أكثر نعمهُ علينا، لولا غفلة العقول. فهو يُعلم الصبر وهذا قوة بحد ذاته.
_الأبعاد النفسية: الشعور برضا النفس هل هو ايجابي أم سلبي؟ النفس أمارة بالسوء، إن كان ما يرضيها يغضب الخالق ويخالف الضمير هنا نقمة وسلبية، وفي هذه الحالة رضا النفس زائل ينتهي بمجرد حصولها على ما ترغب من لذات دنيوية، ويتبعها ندم وتأنيب ضمير وشعور بغضب الخالق وهذا ما يعود على الانسان بحالة هستيرية من مشاعر سلبية متضاربة وعدم استقرار، والشعور بالذنب أيضا يعود على الآخرين أيضا يجعله بقلب غير سمح وغير رحب بالآخرين فتجد معاملته لهم لا تتسم بالاخلاقيات بل معاملة عشوائية تعكس أفكاره المتضاربة.
بينما لو شعرت النفس بالرضا حين الشعور برضا الخالق هنا السمو النفسي، وحلت الطمأنينة والاستقرار، وهذا أيضا يعود على الآخرين بخير فتجد الانسان المؤمن سمح رحب بالاخرين يتوادد لهم ويتراحم وعلاقته معهم مستقرة، وهذا يرتبط بالبعد الاجتماعي.
_الأبعاد الصحية: كما هو معلوم، يؤكد ذلك أيضاً الدكتور ماك فادون وهو أحد علماء الصحة الكبار في أميركا فقد جاء في كتابه الذي ألفه عن الصوم بعد أن ظهرت له نتائج عظيمة من أثره في القضاء على الأمراض المستعصية: "إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم، وإن لم يكن مريضاً لأن سموم الأغذية والأدوية تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض، وتثقله ويقل نشاطه، فإذا صام خف وزنه وتحللت هذه السموم من جسمه وذهبت عنه ليصفو بعد ذلك صفاءً تاماً، ويستطيع أن يسترد وزنه ويجدد جسمه في مدة لا تزيد على عشرين يوماً بعد الإفطار ولكنه يحس بنشاط وقوة لا عهد له بهما من قبل".
كما بينت دراسة طبية ألمانية حديثة أن الصيام العلاجي له تأثيرات إيجابية عديدة على صحة الإنسان. ومن أبرز هذه التأثيرات الوقاية من الأمراض المزمنة، وأيضا علاج أمراض النظام الهضمي والسمنة، وقد يقي الجسم من أمراض القلب والأوعية الدموية والتهاب المفاصل.
_البعد الاجتماعي: هو شعور المؤمن بأخيه المؤمن الفقير، وتعاظم شعوره بالمسؤولية تجاههم بتفقدهم واطعامهم مما فضل الله عليه، وبهذا مهما كان حال الانسان برفاهية يفكر ويشعر بأن الناس سواسية مهما تغيرت أحوالهم، ومهما كانت طبقتهم الاجتماعية سيتفكر بحالتين الأولى: الناس جميعا يشعرون بنفس المشاعر الجوع، العطش، الألم، التعب..
الثانية: أنهم جميعا سيواجهون الموت ويعودون إلى أصلهم.
أي الشعور بالمساواة والعدل الالهي، وأيضا هو فرصة للتقارب والصلح والتسامح بين الناس والتراحم.
_البعد الروحي: حيث ترتفع منزلة المؤمن ويرتقي إلى منزلة التقوى وتهذيب للنفس، أعلى مراتب الايمان.
ومن الجدير بالذكر على المؤمنين مراعاة الشهر لما فيه فضائل عليهم، والابتعاد عن كل ما يلهي الانسان ويستدرجه ليبعده عن الطاعة للرحمن، فيخسر عظيم المغفرة، فنحن في تطور أشبه ما يجعل الجيل بحرب عقلية ما بين شاشة التلفاز وتسابق الدراما بما لا يليق بهذا الشهر بالاضافة إلى شبكة الانترنت فإن الشهر الفضيل وقته محدد عليك استغلاله بالشكل الأمثل وعدم اضاعة الفرصة التي هداها الله للبشرية وهي رحمة وغفران، فهل ترفض هكذا رحمة أيها الانسان؟!
والتذكير بأمر صعوبة الصيام ومشقته خاصة مع ازدياد درجات الحرارة، كلما كانت صعوبة فيه كان الثواب أكثر كما يقال أن الأجر على قدر المشقة ، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): الصوم في الحر جهاد.
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): أفضل الجهاد الصوم في الحر. فالصيام امتناع عن تغذية الجسد لتغذية الروح وسموها.
اضافةتعليق
التعليقات