في مساء يومي هذا.. بينما كنت اسير في ذلك الطريق الذي يؤدي الى مكتبة المدينة، صادفني موقف غريب جذب انتباهي بشدّة..
استرقت النظر لاطفال يلعبون ويمرحون ما بين ضحك وركض..
ولكن الذي جذبني هو طفل لا يتجاوز التسع سنين، كان مبتعدا عن أطفال الحي، واقف في زاوية بعيدة، منطوي على نفسه بطريقة ملفتة، بقيت صامتة للحظات.. ومن بعدها فكّرت بالتقرب منه ولكن بعدها راودني التفكير لأترقب نهاية وقوفه هنا..
لماذا واقف ولم يلعب.. ازداد الفضول لدي.. انظر اليه، اتقدم خطوة واعاود بالتراجع عشر خطوات نحو الوراء.. لكن كان هناك شيء غريب اكثر جذبني.. هي بساطة ملابس الطفل وترتيبه كانت ملابسه تدل على انتساب سعرها للرخص..
ولكن كان مع تلك البساطة جذّاب في مظهره، عجباً لبساطة تدل على فخامة.
فيما عدا الاطفال الذين حوله يتزينون بملابس باهظة الثمن الا انهم في مظهرهم لا يدلون على اناقة بعكس ذلك الطفل..
هنا انتابني الفضول تجاه هذا الطفل، يوجد شيء غريب فيه.. حاولت ان اتقرب منه، بحلقت فيه، يا لها من عيون غريبة، ولكن بدا السؤال ما الغريب هنا؟؟
بقيت صامتاً والافكار تتوارد في عقلي، اثناء صمتي رأيت وميض قلق في عينيه،
رأيت نظرات متناقضة.. مابين نظرة حزن على نظرة فرح، نظرة حقد على نظرة تسامح، نظرة كره على نظرة حب، نظرة ضعف على نظرة قوة، نظرة ينتابها دموع وعيناه تتكلم.. تتكلم عن شيء يدعى الظلم لكن عن اي ظلم؟
الظلم الذي يراه امامه؟ فئة من عمره يلعبون ويعبثون امامه وهو فقط يلتزم بالنظر و الصمت! يحاول الاقتراب منهم ولكن لا يستطيع ومن المستحيل ان يستطيع.
بعد ذلك لاحظت ردة فعلٍ عفوية منه.. رأيت نظرة اخرى اثّرت في مشاعري..
كان كلما يضحك طفل امامه هو ايضاً يبتسم بعينيه، ازددت فضولا لذلك الطفل..
اصبح يأخذ كل تفكيري وحتى وقتي، حاولت ان اتقرب منه لأتأكد ان كنت اعرفه ام لا ولكن ملامحه مجهولة لم ارها سابقاً في الحي..
في داخلي افكار أهو متشاجر معهم؟ ولكن من المستحيل ان يحصل معه هذا..
أكان اللعب في ذلك الوقت اشواط؟ ايضاً من المستحيل لان جميع الاطفال كانوا يعبثون عداه.. بانت عليه علامات الحزن والانكسار.. الاسئلة والاجوبة تراودني بشغف..
بعد عدة دقائق قليلة جداً تقدمت منه امرأة وبيدها طفل رضيع.. خلف نظراته الحزينة ركض نحو المرأه قائلاً: امي هل اتيتي لنا بشيء يسد جوعنا؟
الام اجابت: كلا يا بني ولكن إحمدالله.. لنا رب يعلم بضائقة القلوب يا حبيبي.
انزل الطفل رأسه الى الارض، وبانت عليه علامات الانكسار من جديد..
عاد للتكلم مع امه: اماه واخي الصغير الذي يراوده الجوع والظمأ كل لحظة ماذا سوف يحل به؟!
اجابته و الابتسامة غارقة في محياها: يا ولدي نحن بخير والناس بخير والدنيا ذات رحمة وسنحصل على ما نريده بأذن الله،
فـهناك من ينظر الى حالنا وهو الله وهناك من يتألم من اجلنا وهو الان تحت التراب..
فقط الان اطلب الرحمة لوالدك الذي يتألم من اجلنا.. ولنتوكل على الله ونذهب..
في هذه اللحظة حلّ على الطفل شعور بأنه اصبحت الدنيا ملكه بلحظة واحدة وبعبارات بسيطة من والدته..
شعر ان والده الذي دُفن تحت التراب في عناية الله.. و رحمة الله قد وسعت كل شيء. امسك بيد أمه وذهب من الحي الذي حدث فيه هذا المشهد المؤثر و القاسي.
تركوني وحيداً ضائعاً في دوامة الحيرة.. و عشرات الاسئلة تجوب خاطري و تغتال المنطق بكل شراهة! الا يمكن لأم وطفلين الحصول على رغيف خبز! من المذنب عن كل هذا... أين الانسانية التي تتكلم عنها الناس.. و هنالك الكثير و الكثير من العوائل المتعففة التي لا تمد يدها للسؤال و تكبت في داخلها مرارة الفقر و العوز!.
اضافةتعليق
التعليقات