يشكل العنف في المدارس مشكلة اجتماعية وحقوقية خطيرة في كثير من البلدان، لاسيما في البلدان المتدنية في مستوى التعليم والثقافة كما هو الحال مع العراق، كما تعهدت وزارة التربية العراقية بمعالجة حالات العنف في المدارس ضد الطلاب، وهددت بفصل المتورطين، في حين سجلت منظمات حقوقية عراقية تصاعداً، وصفته بالمقلق، في معدلات العنف من المدرسين خلال العام الدراسي الحالي.
يُعرّف العنف المدرسي بأنه سلوك أو فعل يصدر عن طرف قد يكون فردا أو جماعة يحدث أضرارا جسدية أو معنوية ونفسية ويكون باللسان أو بالجسد أو بواسطة أداة.
والعنف دليل عدم اتزان، سواء نتج عن الإثارة أو الاستفزاز أو التسرع أو ضعف قوة الحجة.. وهو رد فعل غير سوي له عواقب جسدية ونفسية شديدة على المعنَّفِ..
أشكال العنف المدرسي
هناك ثلاثة أنواع معروفة في مجتمعنا الشرقي بالنسبة لأشكال العنف الممارس ضد الأطفال في المدارس، وهي:
١.العنف الجسدي/ كالضرب، الصفع، شد الشعر، الدفع، القرص.
٢.العنف النفسي أو المعنوي/ مثل الإهانة، الإذلال، السخرية من التلميذ أمام أقرانه، نعته بصفات مؤذية، احتجازه في الصف، القساوة في التخاطب معه، انتقاده باستمرار، التمييز بين طفل وآخر، البرودة العاطفية في التعاطي معه، عدم احترامه، عدم تقدير جهوده.
٣.العنف الجنسي/ ويتدرج من إستعمال كلمات ذات دلالة جنسية، إلى الملامسة الشاذة لبعض أجزاء أو أعضاء جسم التلميذ وصولاً إلى التحرش.
أسباب العنف المدرسي
١.الأسرة/ تقلص دور الأسرة التأطيري في ظل عمل الأبوين والالتجاء إلى المحاضن. والتفكك الأسري الناجم عن الطلاق وأيضا عدم إشباع الأسرة لحاجيات أبنائها نتيجة تدني مستواها الاقتصادي.
٢. المجتمع/ إن الفقر والحرمان في بعض الجهات والأحياء-جذور المجتمع المبني على السلطة الأبوية ما زالت مسيطرا، فنرى على سبيل المثال أن استخدام العنف من قبل الأب أو المدرس هو أمر مباح ويعتبر في إطار المعايير الاجتماعية السليمة وحسب النظرية النفسية-الاجتماعية، فإن الإنسان يكون عنيفاً عندما يتواجد في مجتمع يعتبر العنف سلوكاً ممكناً مسموحاً ومتفقاً عليه.
٣. الثقافة/ عزوف الشباب عن دور الثقافة والشباب ونوادي الأطفال لغياب البرمجة الثرية والتجهيزات العصرية.
كما يجب الإقرار بدور وسائل الإعلام والاتصال، لما لها من تأثير في تهذيب السلوك والبرمجة الهادفة وذلك بالتوفيق بين التسلية والتهذيب والإفادة والابتعاد عن تبليد الذوق وتمييعه.
تسويق تجارة العنف في بعض الأعمال الدرامية والألعاب الترفيهية وفي الحوارات السياسية.
٤.المدرسة/ قلة التنشيط الثقافي والرياضي وعدم توافر الأنشطة المتعددة التي تشبع الميول والهوايات وإن ضعف المقررات والمضامين والمحتويات الدراسية وعدم مسايرتها للتطورات المتسارعة التي تعرفها تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة، فاعتماد بعض الأساليب التلقينية التقليدية التي مازالت تعرفها المدرسة والتي لها دور سلبي على تكوين وتربية هذا الجيل يولد بدوره ممارسات لا أخلاقية تتسم بالعنف.
إجراءات القضاء على العنف المدرسي
هناك عدة إجراءات من الواجب اتخاذها للحد من العنف المدرسي، منها:
١. شمول المناهج الدراسية على حقوق الانسان، لتوعية الطلاب بحقوقهم وحقوق الآخرين.
٢. استحداث مكتبة داخل المدرسة ليمارس الأطفال المطالعة خلال أوقات فراغهم وبين الحصص الدراسيّة.
٣. أخذ جميع شكاوى الطلبة بعين الاعتبار وعدم الاستهانة بأية حالة.
٤. تدريب المعلمين والطلبة والمجتمع على معرفة حالات العنف الجنسي والقضاء عليها. المساواة في التعامل بين الأولاد والبنات، وتعزيز ثقة الفتيات بأنفسهنّ، واعتمادهنّ على ذواتهنّ.
٥. المساواة في التعامل بين الأولاد والبنات، وتعزيز ثقة الفتيات بأنفسهنّ، واعتمادهنّ على ذواتهن.
٦. اتباع أسلوب التشجيع والدعم عن طريق التعبير عن المشاعر واستخدام الإيماءات ومكافأة الطلاب المتميزين أمام أقرانهم.
٧. اتباع الأساليب التوجيهيّة التي تُركّز على سلوك الطالب ونتائجه، وليس على شخص الطالب.
٨. العمل على توفير الأجواء الدراسية الصحيحة لهم.
وروت لنا وسائل الإعلام حالة من الحالات التي تم استخدام العنف المدرسي فيها وهي حالة الطالب الذي توفي بسبب ضرب المعلم وهو الطفل حسن كان ضحية هذا العنف..
توفي تلميذ بعدما تعرض لضربة قاتلة على يد معلم في إحدى مدارس العاصمة العراقية بغداد، وفق ما أفاد ذوو الضحية، ووقعت الحادثة قبل أيام قليلة عندما طلب المعلم من تلميذه الوقوف قبل أن يضربه بعصا خشبية على رأسه، كما تقول أسرته وأبناء عمومته ولم يتسن بعد معرفة أسباب لجوء المعلم إلى الضرب، غير أن والد الضحية، قال إن التقرير الطبي أشار إلى أنه تعرض لنزف في الدماغ، ويبلغ حسن صلاح من العمر عشر سنوات ويتلقى تعليمه في المرحلة الابتدائية الرابعة في إحدى مدارس حي الكمالية الواقع في الضاحية الشرقية لبغداد، وقالت أسرة الضحية إن حسن توفي في المستشفى متأثراً بالضربة القاتلة، وقال صلاح وهو والد الضحية حسن متحدثاً لتلفزيون الاتجاه، ومقره بغداد، إنه لم يكن يتوقع ابداً أن يرسل ابنه إلى المدرسة ثم يستقبله ميتاً. وتابع بينما كان يجهش بالبكاء "المدرسة ليست للموت.. إنما أمانة".
وأضاف أن رأس ابنه لم يكن مخضباً بلدماء مما يشير إلى أنه توفي بسبب النزف الداخلي وقال أحد التلاميذ إن المدرس ضرب زميله حسن بالعصا على رأسه وذكر آخرون أنه لم يتم بعد تحديد ما اذا كان التلميذ قد توفي بالفعل بسبب الضربة لكنهم أشاروا إلى أن إحدى التلميذات قد تعرضت لموقف مماثل على يد المعلم ذاته لكنها نجت. ولوحت عشيرة الضحية باللجوء إلى ما يعرف بـ"الدكة العشائرية" إذا لم يتم حسم الموضوع بالقانون. وقالت إنها لا تزال ملتزمة به. وقال أحد وجهاء عشيرة العتابي إن العشيرة إذا لم تكن قوية لن تستطيع أخذ حقها، مشيراً إلى أن أياً من إدارة المدرسة لم يشارك في مجلس العزاء.
موقف القانون
إن القانون وضع عدة طرق وأساليب لتأديب الطلبة، ولم يجعل الضرب من بينها، مشددًا على أن النص القانوني كان صريحًا وواضحًا بمنع العنف البدني وبشكل قاطع في حديث لوكالة يقين
”بأن نظام المدارس ذا الرقم 30 لعام 1978، والساري المفعول؛ نَصَّ على أن تستخدم الهيئة التعليمية عدة أساليب في تأديب الطلبة وتوجيههم، ومنها: النصح والتوجيه الفردي، أو استدعاء ولي الأمر إلى المدرسة من أجل التداول معه في سبيل إرشاد التلميذ، لافتًا إلى أن هذه الأساليب تتطور إلى الإنذار أو التوبيخ في مرحلة لاحقة، وتسمح بنقل التلميذ إلى مدرسة أخرى ويتابع الخبير الإداري بأن القانون حدد عقوبة النقل، وجعلها مناطة بقرار من قبل مجلس المعلمين، على أن يتم تبليغ ولي الأمر بها تحريريًا، وله حق الاعتراض على عقوبة النقل لدى مدير التربية المختص، وخلال مدة لا تتجاوز الأسبوع الواحد من قرار النقل، مضيفًا بأن المدرسة الناقلة مُلزَمة بتزويد المدرسة المنقول إليها الطالب بتقرير يوضح الأسباب الداعية لهذه العقوبة.
ويتابع الخبير الإداري بأن القانون حدد عقوبة النقل، وجعلها مناطة بقرار من قبل مجلس المعلمين، على أن يتم تبليغ ولي الأمر بها تحريريًا، وله حق الاعتراض على عقوبة النقل لدى مدير التربية المختص، وخلال مدة لا تتجاوز الأسبوع الواحد من قرار النقل، مضيفًا بأن المدرسة الناقلة مُلزَمة بتزويد المدرسة المنقول إليها الطالب بتقرير يوضح الأسباب الداعية لهذه العقوبة.
إن القانون وضع أمام كل هذه العقوبات وجعل تطبيقها يتم بالتدريج في سبيل تحقيق المراد منها في مرحلة معينة، ومن دون الحاجة إلى العقوبة التي تليها، حتى يتم المراد منها في إصلاح وضع التلميذ وتقويم سلوكه، مستدركًا بأن القانون واضح، وينص في مادته الثانية على “منع العقوبة البدنية بأي شكل من الأشكال منعًا باتًا”.
إن هذا العنف ضد الاطفال الصغار والذي لا ينسجم وطبيعة المرحلة، من مدير مدرسة ينبغي أن يكون نموذجا لغيره، فضلا عن الحوادث التي تتكرر باستمرار، تأتي بسبب جهل الكثير من مديري المدراس وبعض المعلمين بواجباتهم المحددة، فهم يشعرون دائما أنهم فوق القانون وبسبب هذا الفهم الخاطئ قد يُقدم البعض منهم على ارتكاب أفعال شنيعة لها سمات إجرامية بحق أطفال صغار، لذلك ينبغي أن يكون مثل هؤلاء تحت المراقبة المستمرة من قبل جهات رقابية متخصصة من أجل القضاء على العنف، لاسيما ضد النشء الجديد، بعد أن عانى مجتمعنا الكثير من الألم والحرمان.
على الحكومة أن تضع ضوابط جديدة للتعامل مع التلاميذ.. وأن تعجل سريعا بملف أخذ حق التلاميذ من مدير هذه المدرسة حتى يكون عبرة لأمثاله، وأن يعرض ذلك على الرأي العام عبر وسائل الاعلام بكل مفاصل هذه الحادثة. وذلك لكي تكون درسا للجميع، وكي يتعظ منها من لا يريد أن يقع في مثل هذا الخطأ الجسيم.
وعلى المعلمين التمسك بالمنهج التربوي الخالي من العنف، واللجوء إلى أساليب معاصرة تتفهم أوضاع الطلاب، واحتياجاتهم في الجانبين المادي والنفسي.
بما أنّ المعلم يحتلّ مكانةً في قلب الطالب قد تصل بمكانة الأبوة، وهو رمز للعطاء في مرحلة من مراحل حياته، فيترتب على هذا مسؤوليات تقع على عاتق المعلم، لا بد للمعلم التحلّي ببعض الصفات والفضائل حتى يستطيع أن ينقل رسالته في أفضل طريقة وأن يتسم ببعض الصفات أي أن يكون حكيما وعادلا وقدوة لغيره وأن يراعي الفروق الفردية بين الطلاب.
وأيضا أوصى الإسلام باحترام المعلم وتقديره كما يكون للطالب حق على المعلم، أيضا للمعلم حق على الطالب من احترام وتقدير، وأكد ذلك رسولنا صلى الله عليه واله وسلم في حديثه الشريف: ((فضلُ العالمِ على العابِدِ، كفَضْلِي علَى أدناكم، إِنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ وملائِكتَهُ، وأهلَ السمواتِ والأرضِ، حتى النملةَ في جُحْرِها، وحتى الحوتَ، ليُصَلُّونَ على معلِّمِ الناسِ الخيرَ)).
اضافةتعليق
التعليقات