في ظل غياب نظام احصائي عراقي يعطي نتائج دقيقة للمخاطر والظواهر السلبية المتفاقمة في المجتمع، يظل الاعتماد على الدراسات والبحوث للمتخصصين في مجال الرصد والبيانات للحصول على الارقام التقريبية، رغم كونها غير رسمية إلا انها تقدم فكرة عن حجم الظواهر والمخاطر التي تمثل تهديدا للنسيج الاجتماعي، وان عدم وجود تمثيل حقيقي للمرأة في مفاصل المجتمع، وحالة الحرب التي تعيشها من اجل انتزاع حقوقها من الذكر، ارتفعت نسب الطلاق، العنوسة، الانتحار، وفقدان الأمن الأسري والاجتماعي، قضايا الشرف والنهوة وغيرها من المواريث العشائرية والقبلية القديمة.
عقدة العنوسة
كثيرا مانرى في المجتمع نساء صنعن اقدارهن بإنفسهن، كفاح واصرار وتحدي لمختلف الظروف، من أجل تحقيق ذواتهن، بعيدا عن الشعور بعقدة العنوسة، منهن اكاديميات ومثقفات وتربويات واداريات ومبدعات في شتى مجالات الحياة، إلا أن الأسباب التي يخلقها المجتمع سببت بتراكم الحمل الثقيل على كاهل الانثى.
الباحثة والناشطة في مجال حقوق المرأة كاترين ميخائيل اولت اهتماما كبيرا لهذه المشكلة منذ عدة سنوات، ففي بحث موجز لها عن العنوسة في العراق تحدثت فيه عن جذور المشكلة: "هناك عوامل مجتمعة مع بعضها تجعل من هذه المشكلة ظاهرة لابد أن نبحث لها عن حل، الزواج الاجباري بصيغة مباشرة أو غير مباشرة، المهور العالية والطلبات المبالغ فيها من قبل الأهل واعتبار الفخامة جزء من التطور الاجتماعي والرقي الأسري، أسباب جوهرية عززت من ارادة المرأة لتخوض التحدي".
وتضيف: "كما أن البطالة اخذت مأخذها في التأثير على الحياة الزوجية والعلاقات الاجتماعية، والتي هي الأخرى إحدى نتائج الحروب والعمليات الارهابية التي مر بها العراق والتدمير للبنى التحتية وسياسات التقشف الاقتصادي التي جعلت من الشباب عاجزا عن توفير قوت يوم لعياله".
ومبينة ان "هناك أسباب تحتاج إلى تدخل الحكومة المركزية فيها، مثل أزمة السكن وارتفاع أـسعار الأثاث، كما أن الحلول والمعالجات التي تقوم بها بعض الجهات ماهي إلا نقطة في بحر".
عندما تنتحر النساء
قفزا حرا إلى الاخرة من غير مظلات، تأرجح على حبل الموت، أو شهية لاستنشاق الحياة المظلمة، أوجه عدة لنتيجة واحدة، المنتحرون يأخذون معهم أسرارهم إلى القبر، ويبقى المحللون والصحفيون يتكهنون بالأسباب.
يقينا ان العامل الاقتصادي والضغوط الاجتماعية، ليست هي المسبب الوحيد، بدليل وجود حالات انتحار في مجتمعات متقدمة تشهد رخاءً ماليا.
العراق لم يكن على قائمة الدول التي تشهد حالات الانتحار، إلا انه خلال السنوات الاخيرة شهد ارتفاعا ملحوظا وفق الاحصائيات والتقارير الخاصة بالمجتمع المدني والمنظمات الدولية، وتشير الباحثة ميخائيل إلى انه "من المؤسف والذي يثير القلق أن اغلب حالات الانتحار من النساء.
ومن البديهي ان عوامل نفسية مثل القلق واليأس والاكتئاب بسبب التمييز والعنف والاضطهاد، تؤدي إلى انهاء المرأة او الفتاة حياتها، كما ان الأعراف السائدة باخفاء الحالات وعدم وصولها إلى الجهات المختصة أدت إلى عدم جود احصائيات رسمية بهذا الصدد، إلا ان الواقع اكثر بكثير من الأرقام التي يتداولها الاعلام".
الملاذ الامن
استخدام مبتكر وخطير يشير إلى فقدان الامان الاسري، فالملاذ الآمن للمرأة هو بيتها وعائلتها وإذا مافقد هذا الجانب التجأت إلى الحكومة لتوفير ذلك وهذا يدل على أن أبواب الأمل اغلقت بوجوههن.
تتقول الباحثة ان: "التفكك الاسري الذي نشهده بنسب مهولة ومخيفة يولد اليأس لدى النساء الذي يقودهن إلى قتل النفس خلاصا هروبا واستسلاما.
كما ان تحملها مسؤولية الأسر بالعمل وتلبية احتياجات المنزل والاولاد مع ضغط العمل يعرضها للتقريع واللوم وكأنها مسؤولة غرفة عمليات أمنية".
وإذا كان اللجوء إلى حضن الحكومة يتطلب الثقة العالية بأجهزتها ورجالاتها، فأن المرأة اليائسة تفضل الموت على ذلك المنفذ غير الآمن.
قبور بلا أسماء
"تزوجت بشخص لم تره إلا في ليلة زفافها، يكبرها بعشرين، لم تكمل الرابعة عشرة من عمرها، عنيفا بالأسلوب وحدّي بالتعامل وعصبي حد الانهيار، في ليلة زواجها تعرضت للضرب ونقلت إلى المستشفى، من المستشفى عادت إلى بيت اهلها لتبقى ثلاثة اشهر، وتعود بالاكراه أيضا.
وبعد صراع مع زوج أقل ما يقال عنه ارهابيا ومجرما بحقها، وجدت عبير التي لم تشم عبير الشباب بعد، جثة هامدة بعد أن فقدت وعيها بسبب نزيف حاد بعد أن أقدمت على قطع وريدها بقطعة زجاج في ليلة خفارة زوجها في مركز الشرطة".
بعد عناء طويل تحدث أم عبير بحسرة عن طفلتها التي خطفت من بين يديها بزواج هيمن على قرارت الاب المتسلط والزوج الظالم، وراحت ضحيته زهرة كانت يانعة، والقضية الأهم من ذلك تقول أم عبير وهي من سكنة احد المحافظات الجنوبية: "أخذوا جثتها إلى أحد المقابر القريبة ودفنوها دون أن يعملوا لها شهادة وفاة أو حتى يبحث عن أسباب الحادثة بالقاء اللوم عليها حتى بعد ما قتلت نفسها من شدة الألم الذي كانت تمر به، وإلى الان لم أعرف اين قبرها، بلا عنوان، بلا اسم اخفوه هربا من المساءلة القانونية".
أرقام واحصائيات
قالت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في تقرير لها أنها رصدت نحو 3000 حالة إنتحار في الفترة بين 2015 و2017 لدوافع مختلفة، كما أن مستشفى الشيخ زايد في بغداد أعلنت عن إنقاذ نحو 18 حالة إنتحار خلال أغسطس/آب الماضي.
وتتصدر محافظة ذي قار نسب المقدمين على الإنتحار في العراق، تليها ديالى ثم نينوى وبغداد والبصرة، إضافة إلى الحالات الموجودة في إقليم كردستان، التي غالباً تحاط بالسرية والكتمان.
وقد بلغ عدد الذين قرروا إنهاء حياتهم خلال عام 2017 في ذي قار 119 شخصاً و76 وفي ديالى و68 وفي نينوى و44 في بغداد و33 في البصرة، وفقاً لتقرير المفوضية.
تقول ميخائيل: "ان هذا الامر المفجع لا يتوقف على مدينة واحدة أو ناحية دون اخرى، ففي تقرير لمنظمات مدنية ان ازدياد عدد القبور التي لا تحمل اسماء فهي دائما تعود لفتيات مغدورات بذريعة الشرف، أو الانتحار لنفس السبب أو الظلم الذي يقع من الأهل أو الزوج،
وقد عقدت مؤتمرات لمواجهة العنف ضد المرأة عالميا وليس على مستوى العراق فقط".
وختمت موضحة "وتأتي الحلول بتكثيف الجهود لتشكيل حملات مدافعة بتعديل أو تشريع القوانين التي تحمي المرأة، والعمل على ارساء المبادئ والقيم الانسانية والتي جاء بها الاسلام لضمان حقوق وواجبات كل فرد من المجتمع.
وتبقى المرأة بنظر البعض مجرد مشاريع زواج فاشلة، وتبقى هي تدفع أثمان باهضة من حريتها وكرامتها واستقلاليتها إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولاعند انقضاء أحد الأجلين اما الطلاق أو الموت".
اضافةتعليق
التعليقات