لمحتها من بعيد تمسكها من جديلتيها الصغيرتين المتدليتين على كتفيها، والصمت يخنق حبالها الصوتية، لم تنطق بكلمة ولم اسمع لها شهقات منتفضة توحي بمعارضتها لوحشية التعامل، سوى نظرات منكسرة تحمل الف سؤال حول مايحدث لها!، وهي حبيسة قبضة امرأة كبيرة في السن يتجاوز عمرها الخمسين عاما، ضخمة الجثة ملامحها تعلوها القساوة، تفتقر لتقاسيم الانوثة والرحمة والحنان، مقطبة الحاجبين، ملابسها سوداء بسيطة، معصبة الرأس، ترتدي عباءة تناثر عليها غبار كثير، تسير بسرعة وتسحب بيديها الغليظتين طفلة في التاسعة من عمرها كأنها كرة تحركها كيفما تشاء، ضعيفة الجسد، ترتدي ثوب قديم لونه اصفر بتدرجات بقع رمادية وبنّية من الاتساخ، يكاد يشابه بشرتها التي اخشوشنت من ظروفها القاهرة، تركت اثرا عميقا على تقاسيمها الحزينة، تمتد جذوره الى قلبها العطش لقطرة سلام وامان..
كان الموقف يضج بالناس، والكل يشاهد ما يجري لكن لم يحركوا ساكناً، ولم ينبسوا ببنت شفة لايقاف بشاعة هذه الجريمة بحق الطفولة الضائعة في بلدي ومدينتي على وجه الخصوص، وكنت انا واحدة من تلك الاشباح الجامدة، في موقف لا احسد عليه، وفي لحظة ادراك كسرت جمودي بخطوات متسارعة، لعلها تكون طوق نجاة لتلك الصغيرة، حاولت اللحاق بها لابعد شرها قدر الامكان، لم يحالفني الحظ اصبحت المسافة بعيدة بيننا فناديتها بصوت مرتفع: "اتركيها يا امرأة" حينها التفتت الطفلة نحوي ونظرت الي كأنها تقول "لا تشغلي بالك بي، انا ميتة منذ زمن طويل" قرأت ذلك في عينيها الذابلتين، اوجعت قلبي نظراتها، توقفت عن الكلام والسير خلفها لاطالع غياب طيفها خلف افق المجهول، ذهبت وانطوت حكايتها معها، ولم استطع معرفة سرها مع تلك المخلوقة المسمى (شبه انسان)، موقف لازلت اشاهده ماثلا امامي على الرغم من مرور سنين طويلة على حدوثه، ولا زال ضميري يؤنبني لخذلاني لها، فلم انتشلها من واقعها المزري، ولم اسقي زهور عمرها بماء الحياة، (عفوا منك صغيرتي) اقولها كل يوم وادعو من ربي ان تكوني بخير.
الخلاصة "يا ليتنا نغتنم الفرص، ونكون سببا في احداث تغيير بسيط لشخص ما، لا لشيء، فقط من اجل ان يرقد ضميرنا بسلام".
اضافةتعليق
التعليقات