تعاني المرأة في الزمن الحاضر أزمات مختلفة شملت المرأة المسلمة والمرأة غير المسلمة على امتداد الكرة الأرضية وفي مختلف المجتمعات الشرقية أو الغربية، النامية أو المتقدمة وتوجز الباحثة (آمال طنطاوي) المعوقات التي تجابهها المرأة في ثلاثة أنماط وهي:
النمط الأول: حيث تكون المرأة باحثة وزوجة مسؤولة عن أسرة، حيث تعيش بعض النساء الباحثات إحساساً دائماً بالتقصير تجاه أسرهن، مما يؤثر على قدراتهن على العمل.
النمط الثاني: يتعلق بتلك النساء اللاتي يضعن أولوية العمل كهدف لحياتهن، وهؤلاء أيضاً لا يسلمن من المعاناة النفسية ومن النقد الإجتماعي وتستنزف طاقاتهن.
النمط الثالث: أولئك اللاتي تشبّعن بما حدده المجتمع بكل مؤسساته من دور تقليدي للمرأة، حيث تصبح متطلبات البحث وشقاؤه بالنسبة إليهن نوعاً من التعسف الذي لا يراعي طبيعتهن الخاصة وطبيعة دورهن في المجتمع.
ويرى الإمام الشيرازي أن هناك حواجز نفسية كثيرة تفصل بعضنا عن البعض، وهذه الحواجز لا تظهر في فترة الإختلاط والصداقة والسفرات وإنما تظهر عندما نبدأ العمل الجدي، هذه الحواجز التي تقف جداراً سميكاً يجب أن ننسفها حاجزاً بعد حاجز حتى تتحد وتتلاحم الأمة، ويجب أن نشعر أنفسنا في هذه المرحلة بضرورة تحطيم الحواجز وذلك بمعرفة بعضنا للبعض الآخر، ونقيّم كل منا للآخر.
ولتوضيح هذه الحواجز الوهمية يتطرق الإمام إلى محاورة مع شاب يتصوّر منافاة الحجاب لعمل المرأة في العصر الحديث فيقول: والمرأة اليوم في الجامعة، دكتورة، ومهندسة، وموظفة، وفي المعمل، ومضيفة في الطائرة، وممرضة، وهل تتلاءم هذه الأعمال مع العباءة؟
فاللازم إما أن تخرج المرأة من الحياة، وإما تخرج من العباءة، فإن كان الأول غير ممكن، كان من الضروري الثاني، فأن قلتَ.ـ والمقصود الشاب. أن آية الحجاب لا تلائم العصر.
قلتُ: كلا، لا تخرج المرأة من الحياة، ولا تخرج من العباءة، قال: وقبل أن تتم كلامك، أليست العباءة (عادة عباسية) أدخلها خلفاء بني العباس في الإسلام؟.
قلت: أنت الآن ناقضت نفسك بنفسك، فإنك قلت (آية الحجاب في القرآن) فكيف تقول إنها عادة عباسية؟.
قال: صحيح، وقد اشتبهت لكن هذا الكلام نفذ إلى ذهني فجأة، ثم قال: فلنرجع إلى كلامنا! فكيف قلت: لا منافاة بين دخول المرأة في ميادين الحياة، وبين العباءة؟
ثم يستطرد الإمام في الحوار قائلاً: لنفرض إذا تخرجت معلمة، أو موظفة أو مهندسة أو دكتورة أو قائد طيارة أو ممرضة أو مضيفة أو نحوها؟
وقلت تكون:
1- معلمة لمدارس البنات.
2- موظفة بالوظائف التي تخص بالنساء.
3- المهندسة تخطط وتصمم.
4- الدكتورة تكون خاصة بالنساء.
5- قائد الطيارة تكون في غرفة القيادة.
6- الممرضة تكون خاصة بالنساء.
7- المضيفة تقدم الطعام والماء، وهي بلباس الحشمة والحجاب.
فهناك مرحلتان:
الأولى: هل بإمكان المرأة أن تدخل الحياة العامة، مع الحجاب ولباس الحشمة، وهذا ممكن، لأنه لا منافاة بين لباس الحشمة والحجاب، وبين الأعمال المذكورة.
الثانية: الشيء المناسب للمرأة، وهو أقرب إلى عفتها وطهارتها.
ويرى الإمام الشيرازي العائلة المسلمة بعد اندحار الماركسية والنظريات الأخرى بقوله: أخذت العائلة في التحسن مما ظهر بعض آثاره في الحال وستظهر آثاره الأخرى في المستقبل، إن لم تصادف البشرية انتكاسة جديدة، والتحسن ظهر في:
1- علاقة العائلة، بين الزوجين، وبينهما والأولاد، حيث يكون العطف الأكثر والألفة والمحبة والتعاون الأوفر وتقوى الروابط بين الأقرباء.
2- كون الشمل سيصبح أجمع.
3- كون الرفاه أكثر، بسبب وسائله.
4- في تربية الطفل، فإنها تتحسن بسبب رياض الأطفال والمدارس والجامعات.
ومن أزمات المرأة المعاصرة:
أزمة الزواج:
كان الزواج المبكر هو السائد في المجتمع، والمهور بسيطة إلى أبعد الحدود، فكان الشاب يقتنع بمهر يؤمن الأوليات البسيطة جداً، وكانت والعائلة تتعامل مع الزوجة الجديدة كأبنتهم، أو مع الزوج الجديد كولدهم، وما كانت الدراسة أو الجندية أو ما أشبه تمنع الزواج، ولذا لم تكن حاجة الإنحراف.
ويضيف الإمام أيضاً: كان غالب الناس رجالاً ونساءً يعملون، فلم يكن للبطالة مفهوم، فالرجال كانوا يشتغلون في الزراعة والعمارة والتجارة والكسب والصناعة وفي البساتين، كما أن النساء كُنّ يشتغلن بالإضافة إلى إدارة أمور العائلة، ولم تجد أثر للبطالة بين الناس لأن الجميع كانوا يشتغلون.
أما في الوقت الحاضر فقد صار الزواج بشروط مرهقة، سواء من قبل الدولة أو من قبل الناس أنفسهم، فشروط الدولة: السن الخاص، وهو فوق السن الطبيعي الذي جعله الله سبحانه وتعالى، أما عن الناس فقد صارت شروط الزواج معقدة: من مهر كثير، ودار مستقلة، وشغل مهم لمستقبل معيشتهم وما أشبه، مع وجود الموانع الحكومية للأشغال الحرة.
ويوجز الإمام الشيرازي أسباب تأخر الزواج بالأمور التالية:
1- انحراف القانون.
2- المفاهيم الخاطئة المنتشرة في المجتمع.
3- السعي إلى التجمل في قبال القناعة.
4- البطالة المتزايدة.
5- الإفراط في صنع وشراء السلاح.
6- كثرة الموظفين.
7- خروج الحياة عن البساطة بسبب الصناعة والحرص وما أشبه.
تحول الشؤون العائلية إلى الخارج:
تحول الإقتصاد والتعليم والتربية والإكتفاء الذاتي وتربية الدواجن وزواج الأولاد وما أشبه ذلك من العائلة إلى الخارج، حيث أن الوحدة الإقتصادية التي كانت تتم في الدار بالغزل والنسيج ونحوهما، تحولت إلى المعامل والمصانع، كما تحول تعليم الأطفال وتربيتهم إلى المدارس ورياض الاطفال وغيرهما، كذلك الأبوان لا يكلفان في الحال الحاضر بتزويج الأولاد، وإنما نفس الأولاد، هم الذين يختارون لأنفسهم زوجاً أو زوجة حسب صداقة في المدرسة أو غيرها.
تلك الأمور بعضها حسنة يورث السعادة والرفاه، وبعضها سيئة يورث الشقاء والوحشة، واللازم على المصلحين أن يهتموا لتمييز الصالح من الفاسد وتنظيم المجتمع، بحيث يجمع بين الرفاه النفسي والجسدي، وبين الصناعة والتقدم.
ضعف القيم الدينية:
مما ينتج عنه الخوف والقلق كما يقول الإمام الشيرازي فضلاً عن اتخاذ شريك مع الإله الحق، لا يمكن أن يملأ فطرة الإنسان التي تطلب الحق والأمن في ظل ذلك الحق، ورغم اختلاف الآراء والاتجاهات إلا أنهم أرجعوها تارة إلى ضعف الثقافة، و(تولستوي) أرجعها إلى عدم الأمن و(فرويد) أرجعها إلى الكبت، و(ماركس) أرجعها إلى عدم الأمن وإلى الاقتصاد الطبقي..
وبنظر الإمام الشيرازي أن سبب عدم الأمن وكثرة الأزمات، هو عدم الدين كعقيدة عند الكثيرين، وتطبيقاً عند آخرين، فإن الدين عقيدة يملأ الفكر، فلا يبقى مجال فارغ حتى يشعر الإنسان بعدم الأمن الفكري، وقد عرفت أن المبدأ والمعاد والرسالة أمور فطرية، أما العدل فهو امتداد للمبدأ في قبال ما أنكره بحجة غير تامة، كما أن الدين شريعة تملأ الحياة، في عباداته ومعاملاته، وأحواله الشخصية، وعقوباته وقضاءه وغير ذلك، وقد أشار القرآن الحكيم إلى ذلك، قال سبحانه: (أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ) وقال تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(الرعد: 28).
تحديد النسل:
يقول الإمام الشيرازي، لقد ثبت علمياً ظهور الأعراض والأضرار الناجمة عن التعقيم بما يوجب ندم الإنسان في المستقبل على هذا التصرف غير المسؤول في خلق الله. قوله إن تحديد النسل لأجل الخوف من الفقر وسوء الحالة الإقتصادية، مصداق من مصاديق قوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً) (الإسراء: 21).
وقول الإمام، ولعل التغيير من حيث الرزق في الآيتين لإفادة أنه لا فرق عند الله سبحانه بين (أن يرزقهم وإياكم) أي: بأن يكون الوالدان سبباً لرزق الأولاد وذلك مثلاً عند صغر الأولاد أو أن (يرزقهم وإياكم) أي: بأن يكون الأولاد سبباً لرزق الوالدين كما لو كبر الوالدان، فكلكم عباد الله سبحانه وتعالى، وأرض الله واسعة ورزق الله وافر إلى أبعد الحدود.
ويناقش قوله: ولا يخفى أن تحريض الإسلام على كثرة النسل لم يكن مختصاً بأول عهد الإسلام حيث العدد الضئيل، وقلة المسلمين، بل يعم جميع الأزمنة وإن ازداد عدد المسلمين. وقوله أيضاً: إن الثروة البشرية هي أساس التقدم والرقي لو أحسن استغلالها بدلاً من التذرع بعدم وجود الإمكانات المتاحة، وهذا ما أثبتته تجارب الحياة اليومية من واقع البلدان المتحضرة الغنية وغيرها، ومن هنا كانت أهمية النسل البشري الذي يتأتى من المرأة الولود.
اضافةتعليق
التعليقات