في قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}(البقرة :214) اشارة إلى سنة من سنن الله تعالى في خلقه وهي سنة التمحيص بالبلاء.
-فكما يعبرون -إن "البأساء هو الشدة المتوجهة إلى الإنسان في خارج نفسه كالمال والجاه والأهل والأمن الذي يحتاج إليه في حياته، و الضراء هي الشدة التي تصيب الإنسان في نفسه كالجرح والقتل والمرض،…"(١)، إذ جاء الخطاب هنا لتبيان الفيصل بين أهل الجنة عن غيرهم وذلك من خلال هذا السؤال {مَتَى نَصْرُ اللّهِ}، إذ يمكن أن نستلهم منه عدة دروس منها :
الدرس الأول: أهل الإيمان والثبات الذين يريدون حيازة دخول الجنة عليهم أن يصلوا إلى هذه المرحلة الايمانية في الشدة والجهد وتزلزل الأقدام، أي متى ما كانوا من أهل الاستعانة وطلب المدد وارتقاب الفرج من الله تعالى، وممن يطلبون رفع البلاء من الله تعالى وحده، كانوا من أهل النصر الالهي والظفر الأخروي بدخول الجنة، فكما جاء في التفاسير(٢) إن البشارة في جواب هذا السؤال دليل على إنه سؤال طلب لا شكاية أو تذمر عند من صدر منه هذا السؤال.
الدرس الثاني: هو من كلمة {متى} نفسها، فالسؤال هنا عن زمن تحقق النصر وليس كيفيته إذ لم يكن السؤال مثلا بكيف أو بماذا أو ما السبيل لبلوغ النصر؟ وكما يبدوا إن هذه سجية في النفس الإنسانية، إذ أن كل إنسان هو ممن يبحث عن تحصيل الثمر، وهنا حتى المؤمنين في كثير من الأحيان سواء هم ممن جاهد أو ممن لم يشارك في الجهاد يعرض له هذا السؤال، ولعل علة ذلك هي لأننا من السهل أن نطلب معرفة زمن تحقق ونيل النصر، ولكن الصعب أن نسأل عن تكليفنا؟ ما المطلوب منا؟ ماذا يتوجب علينا فعله ليأتي نصر الله تعالى الميداني.!
فهم لما سألوا عن زمن النصر متى يأتي؟ أتاهم الجواب: إنه قريب منكم، أي قريب بقرب من تطلبون نصرته، أي تأييده، تسديده، عونه، بث السكينة والاطمئنان، تثبيت القلوب عند تزلزلها، فهذا هو النصر الخفي القريب الذي يدركه أهل البصائر واليقين، فهو بهذا المعنى قريب منكم، بل قريب إلى درجة أنه فيكم، وعليكم استثماره وتفعليه.
فهذا الجواب لكل من يريد أن يحقق نصرًا منتظرًا يَقدم إليه من بعيد إلا أن نصر الله تعالى الذي يُنزله ويفيض به على قلوب المؤمنين أولًا هو بهذا المعنى، إنه نصر الله تعالى في دواخلكم، لذا عبر عنه بأنه قريب.
وهكذا نرى في كتاب الله كثيرًا ما يؤكد على هذه الحقيقة أن نصر الله تعالى للمؤمنين هو أن يسور قلوبهم من الخوف من جبهة الباطل، يحصن أرواحهم من القنوط واليأس، يقوي جوارحهم من أن تضعف في المسير، يبصرهم النور المحجوب بالظلم والظلمات كي لا يتيهوا أو ينجرفوا وهذه كلها معاني ووجه لنصر الله تعالى القريب، أي إنه متاح لمن لم يُعطله، كما وأنه ليس نصرًا مرتَقبا لمن يتعقله ويُفعله، ثم يأتي بعد ذلك الانتصار الميداني أو الفتح والشهادة.
——————
اضافةتعليق
التعليقات