لو أردنا إجمال ما تغذي به المناجاة الشعبانية أرواح الذين يناجون ربهم بها؛ لكان كلمة واحدة هي [الأمل] ذلك الذي يجعل العبد يستمر في سيره إلى الله تعالى رغم ما فيه من عيوب وتقصير، ورغم ما هو عليه من تباطئه في الكدح أثناء المسير.
[الأمل] الذي يجعله ينظر لذاته بنظرة خالية من المقت والتأنيب لحد اليأس من صلاحها، بل تكون نظرة فيها المراقبة والإمهال، والرفق والمرافقة حتى يتمكن من ترويضها وجعلها مرضية عند مولاها.
إذ نقول في إحدى فقراتها: [إِلهِي لَوْ أَرَدْتَ هَوانِي لَمْ تَهْدِنِي، وَلَوْ أَرَدْتَ فَضِيحَتي لَمْ تُعافِنِي]، فهي بمثابة بوابة جديدة تفتح في النفس في كل لحظة يشعر بها صاحبها إنه ليس بالمستوى المطلوب في عبوديته، فعند كل زلة، سقوط، ابتعاد، غفلة؛ يتذكر إن فيه خير؛ إذ إن الله تعالى قد فتح له باب هدايته، وها هو داخل في فناء دار الهادي، الكريم، الرؤوف؛ فلمَ اليأس من النفس، طالما أنه جل وعلا قد أناله شيء من هداه؟!
إذن يبقى هناك أمل كبير بأنه قادر أن يصحح، يبدأ خطوة جديدة عند كل عثرة، لا أن يتوقف فقط لأنه يجد أن تقصيره مبرراً لليأس من صلاح النفس أو إنها ليست أهلاً للهداية الإلهية المعطاة له فلا يغتنمها؛ فيقترب بتراجعه هذا للخروج من باب الهداية بدل التقدم لبلوغ المزيد من أنوارها!
كما وإن كونه من أهل الالتفات لما يصدر منه من تقصير وغفلة، لهو خير دليل على اليقظة وتفعيل ما وهبه تعالى له من الهداية، فليس فينا عبد معصوم، ولكننا نذنب ثم نتوب ونسعى بصدق أن لا نعتاد أو نعود لتكرار ما اقترفناه من ذنوب.
وفي هذه المناجاة أيضاً ذلك "الأمل" الذي يجعل العبد ينظر لعلاقته بربه بنظرة أعمق في الدارين، نظرة ملئها الشعور بعظيم ألطاف الله تعالى، كرمه، رأفته، ستره، وعونه، ذلك الذي يتلمس وجوده في كل خطواته الصائبة منها بالتوفيق، والخاطئة منها بالتنبيه والتصحيح، وذلك بقولنا: [إِلهِي قَدْ سَتَرْتَ عَلَيَّ ذُنُوباً فِي الدُّنْيا، وَأَنا أَحْوَجُ إِلى سَتْرِها عَلَيَّ مِنْكَ فِي الأخرى، إِذْ لَمْ تُظْهِرْها لاَحَدٍ مِنْ عِبادِكَ الصّالِحِينَ، فَلا تَفْضَحْنِي يَوْمَ القِيامَةِ عَلَى رؤوسِ الاَشْهادِ]، فستر الله تعالى لما كسبت أيدينا مؤشر لوجود فرصة جديدة لاستئناف العمل، والتعويض عما صدر، فما ستر بفضل الله تعالى ومننه يعطينا أمل إنه قد غفر، فلابد من ملئ الصحيفة بما هو جدير بالذكر يوم النشر.
وكذلك [الأمل] بحسن الخاتمة، كما نقرأ [إِلهِي كَأَنِّي بِنَفْسِي وَاقِفَةٌ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَقَدْ أَظَلَّها حُسْنُ تَوَكُّلِي عَلَيْكَ، فَقُلتَ ما أَنْتَ أَهْلُهُ، وَتَغَمَّدْتَنِي بِعَفْوِكَ]، فالإمام (عليه السلام) هنا يصور لنا مشهد من مشاهد يوم العرض الأكبر، ولكن الملفت أن الإمام (عليه السلام) وكأنه يريد ممن يقرأ هذه الفقرات أن يعيشها الآن؛ فيكون من أهل التوكل الموجب للهداية لا الضلالة؛ فلا يخسر عفو ربه في ذلك اليوم.
بالنتيجة إن الذي يناجي الله تعالى بهذه المناجاة سيحصل لديه التنبه لما سيكون سبب لهلاكه فيتجنبه؛ عندئذ لابد أن يكون ممن تشمله رحمة الله تعالى، ويتغمده تعالى بعفوه في ذلك اليوم الموعود، بعد أن تلمس جميل عطاياه وعفوه في حياته الدنيا، كما نقول: [إِلهِي كَيْفَ آيَسُ مِنْ حُسْنِ نَظَرِكَ لِي بَعْدَ مَماتِي، وَأَنْتَ لَمْ تُوَلِّنِي إِلّا الجَمِيلَ فِي حَياتِي].
فالأصل أن الله تعالى يريد نجاتنا، وتخليصنا من استحقاق عذابه، وأجمل صور إرادته هذه أنه لم يخلي أرضه من حججه ليعرفونا كيف نناجيه، ونتعرف على مفاتيح وسُبل نجاتنا عندما نقف في ذلك اليوم بين يديه، ومفاتيح الأمل التي بها نفتح الأبواب المغلقة لنواصل السير إليه.
اضافةتعليق
التعليقات