فقدانُ الإنسان للرادع الذي يُنَظِمُ له مساراته الحياتية يجعل منه كائنا فوضويا يملؤه التيه، وينتقل به من ماهية الإنسانية إلى ما دون ذلك كون النفس البشرية قابلة للتمرد إذا ما أوقفتْ بما يحكمها ويقيد غريزة العدوانية فيها، والرغبة في الحصول على كلِّ شيء تريده.
منظومة القوانين هي الحاكم الذي يحدد للفرد خطوطه الحمراء ويقي المجتمع من الفوضى المُحَتّمة الناتجة من فقدانه.
ولو ندير محرك البحث حول أقدم القوانين نجد ما نجد من البنود والمسلات التي نظمتْ حياة القدامى ونرى مسلة حمورابي التي أخذت الصدارة في تشريع القوانين ومنها ما يستعمل إلى الآن ضمن القوانين العالمية.
ولو عدنا إلى الأديان لوجدناها بُنِيَتْ على مجموعة من المحكمات التي تحكم الانسان وتعطي لأعماله الشرعية، وتمنعه من أفعال معينة، وفق تنظيم يبدأ سُلَّمُه من المباح وينتهي بالحرام، في احدى الكنائس رأيتُ لوحة جُسِدَتْ فيها حياة السابقين قبل المسيح بصورة بشعة دماء وقتل وسلب وحقوق ضائعة تُفهم من تمازج الألوان السوداء التي يرافقها الاحمرار والأفواه الصارخة، وفي الجانب الآخر حيث المسيح والحياة المنظمة، وما هذه اللوحة إلا تجسيدًا لأهمية وجود قانون يحكم البشرية وهذا متفقٌ عليه.
لنُعَرّج على محطة رائعة في فحواها تنفعنا في فهم ماهية القصاص قد نكون سمعناها مرارًا وتكرارا لكن لم نقف عليها لنتخذ منها قانونا ينظم المسيرة الحياتية لنا، عندما ضُرب الإمام علي عليه السلام في محرابه، أوصى ابنه الحسن عليهما السلام بعدما جاءوا بابن ملجم قائلا: (فأطعمه يا بني مما تأكله، واسقه مما تشرب، ولا تقيد له قدماً، ولا تغل له يداً، فإن أنا متّ فاقتص منه بأن تقتله وتضربه ضربة واحدة، ولا تمثل بالرجل فإني سمعت جدك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور، وإن عشت فأنا أولى بالعفو عنه، وأنا أعلم بما أفعل به، فإن عفوت فنحن أهل بيت لا نزداد على المذنب إلينا إلاّ عفواً وكرماً).
فإن أنا متُّ... تضربه ضربة واحدة..
الضربة كانت مشروطة بموته سلام الله عليه ولم يأمر بضربه مباشرة أو يأخذ منه غرامة مالية!
أو يقيم مجلس عشائري ليأخذ منه حق خدشٍ بسيط مثلا!
حالات الغرامات والمجالس العشائرية التي كثرتْ في الآونة الأخيرة بسبب غياب القانون الذي يحكم العشائر وضعفه في مواجهتهم، جعل كلَّ من هبَّ ودبَّ يستغل الأعراف العشائرية - التي من المفترض انها تشكل عنصرًا إيجابيًا في حل المشكلات- لكسب الأموال.
قبل أيام تنقل احدى الاخوات حادثة مع زوجها الذي ضرب أحد الشباب سهوا، لم يتأذَ الشاب وبعد أن اعتذر منه وقَبِل اعتذاره وتفارقا، بعد فترة وجيزة سمع صراخًا قد طاف بيته خرج ليجد الشاب وقد لُفَّتْ قدمه ويده والرجال معه يطالبون بالأموال وجلسة عشائر.
ومن هذه القصص الكثير كون ثقافة القصاص بدأتْ تضمحل فلا ثقافتنا ثقافة دين حتى نتعلم من أمير المؤمنين، ولا نحن نحتكم إلى القانون المدني ليأخذ مجراه، فنجد الآن الحقوق تتناثر تندب من يعيدها لأصحابها، فلو وَضَعَتْ الأعراف يدها بيد القانون مستندة إلى الدين.
اضافةتعليق
التعليقات