لولا الأمل الذي في قلوب بني البشر لما وجدوا لذة العيش في هذه الحياة التي كانت ولا زالت محفوفة بالمشكلات والعثرات والصعوبات، فبها يَصقل الإنسان وجوده، ويُظهر حقيقة جوهره، إذ يبقى لكل إنسان أمل يَرُوم الوصل إليه، يجعله قوياً، مستمراً في سيره؛ وأسمى الآمال تلك التي دافعها هو الحب، ولا شيء سواه كما نقرأ في مناجاة المحبين(١) لإمامنا زين العابدين (عليه السلام) في هذه الفقرة: [وَيَا غايَةَ آمَالِ الْمُحِبِّينَ].
إذ تذكر الفقرات التي تليها سُبل بلوغ هذه الغاية بقولنا: [أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَن يُّحِبُّكَ، وَحُبَّ كُلِّ عَمَلٍ يُوصِلُنِي إِلَى قُرْبِكَ]، فهذا السؤال في تنبيه وتوجيه يُعلمنا من خلاله إمامنا السجاد(عليه السلام) حالة التأدب في حضرته (عز وجل)، أي أن نَطلِب العون منه لنَكون أهلاً لتَحقيق هذه الغاية بدءاً وتَكون قلوبَنا مشغولة به دائما، قاصدين وجهه الكريم لا غير، في كل محبوباتنا سواء حبنا لمخلوقاته أو لأي عمل نقوم به.
أما كيف ذلك عملياً؟ ففي الفقرة التالية التي نقول فيها: [وَأَنْ تَجْعَلَكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا سِوَاكَ، وَأَنْ تَجْعَلَ حُبِّي إِيَّاكَ قَائِداً إِلَى رِضْوَانِكَ] أي أن تجعل منطلق الحب والدافع الأصل لك (سبحانك)، لا لأجر ولا لدفع عقاب أو لنيل قرب ورضى مخلوق ما إنما هو لأجل تَحصيل قربَك ورِضاك في كل خطواتنا وسكناتنا.
فالبعض يَجعله حب الله تعالى ذريعة ليتساهل في السير وفق حدود الشريعة الإلهية المرسومة له، يتكاسل في عبوديته، يتباطأ في أداء تكاليفه، فهو ممن نَظر إلى حب الله تعالى من طرف الرحمة الإلهية، وغفل عن أن كمال تحقيق الحب في أن يُحقق فيه جنبة الاعتقاد بجلال الله تعالى كاستشعار هيمنته وعظمته وكبريائه، والتي تتطلب أن يَخضع ويُطيع ويُسلم لكل أوامر ذلك المحبوب، فالحب هنا يَتجلى بأن يَكون دافِعَه الانقياد والطاعة وليس الخوف أو دفعاً لعقاب ذلك الرب الجبار بل لأنه مُحب يَجد كمال حُبِه بذلك.
ثم يُعلمنا إمامنا(عليه السلام) بقوله: [وَشَوْقِي إِلَيْكَ ذَائِداً عَنْ عِصْيَانِكَ]، إذ مع جناح الحب يأتي جناح الشوق لتكون حركة المؤمن متزنة في سيره وعلاقته بهذا الرب الجميل الجليل، فكما أن الحُب مُحفِز للطاعة، الشوق إلى الارتقاء في مَنازل المحبين والمقربين هو بمثابة حِصْن يققيه من الاقتراب من المعاصي، فالزلات هي قد تُبقي فاعلها في مكانه فلا يرتقي، أما ارتكاب ما هو أكبر وأعظم من المعاصي والذنوب فإنها تكون سبباً في تراجعه في المسير، وتبطئ وصوله إلى مراتب القرب، لذا الشوق للترقي يُكسب هذه العصمة، ويَجعله من أهل الإنابة لمولاه، ومن أهل الحب الواعي الحقيقي.
اضافةتعليق
التعليقات