نستطيع أن نكوّن رأياً أو قراراً بعد أن ننظر بعين العقل إلى مقدماته وأسبابه ثم نخمّن نتائجه.. ومع موافقتنا لهذه القاعدة المنطقية فإن هناك بعض الاستثناءات التي تكسرها أو تفنّدها، فما هي تلك الاستثناءات وكيف نعرفها أو نتعامل معها؟.
نجد ذلك في بعض القضايا الدينية، فمع أن أغلب الأحكام والتشريعات يقرّ بها العقل تماماً، إلا أنّ هناك بعضاً منها يقف العقل فيها عند حدود أخرى ويُعلن أنّ لا اعتبار لعملياته فيها أو أن رأيه يأتي بعد أمور أخرى.
ولذلك بعث الله الرسل والكتب السماوية التي أكملت دور العقل، وإن كان بالعقل وحده نستطيع معرفة الإله، لكن الأنبياء والحجج يبينون مايريده الله بالدقة، وهو أيضاً لطف منه عزوجل ولاكمال الحجة علينا.
وهكذا نجد في الشريعة الاسلامية بعض الأمور التوقيفية التي لا يتدخل العقل بها أو لا يعطي رأياً، كالعبادات مثلاً، فما أثبته الدين منها في نصوصه هو ماعلى العبد الانقياد له، ولا يجب تقديم أدلة منطقية على وجوبها أو كيفيتها، فصلاة الصبح ركعتين، لماذا، وهل أستطيع الزيادة أو النقصان؟، لا، لا يحق لي ذلك، وهكذا مع الكثير من التشريعات.
في باب العبادات الأمر واضح بعض الشيء ومسلّم به، لكن هناك شبهات أثيرت قبلاً ولاتزال تثار وتنشر بصور مختلفة إلى وقتنا هذا، فكيف ياترى نعرف الصواب منها وماهو المقياس؟
لنعرض إحدى الاعتراضات التي حصلت في قضية أو فصل خاص منها، ونرى كيف نستطيع مقاربة الصواب قدر الامكان لها وكيف ستساعدنا في فهم بقية الأمور.
عارض البعض أو استغرب أو استنكر إمامة الامام محمد الجواد بعد أبيه الامام الرضا عليهما السلام، وذلك لصغر سنه، حيث كان ابن ثلاث سنين!
قبل كل شيء علينا أن نوقن أن هذه القضايا أيضا تعتبر نصّا إلهياً وهي تعيين واختيار شخصية ومواصفات المبلّغ وتكون بغض النظر عن الاعتبارت التي لا يؤمن بها البعض، "فالله أعلم حيث يجعل رسالته".
ومع ذلك ومن باب اللطف والحكمة الإلهية هناك مجموعة نقاط ترد على من ينكر الامامة لمحمد الجواد بسبب صغر سنه ومنها:
_ النص عليه بالامامة من قبل أبيه، وسمع ذلك ونقله الثقات:
قد لا نصدّق حادث ما، لكن إن روى ذلك أحد الأقرباء أو الأصدقاء (الثقات) ونشدد على هذه الكلمة، سوف نسلم بذلك ولن نطلب البراهين والأدلة، ولذلك يشترط في بعض الأحكام ك معرفة القبلة أو وقت الصلاة إخبار الثقات به.
_ الرجوع إلى القرآن أو السنّة:
روي عن الامام الباقر والصادق عليهما السلام:
"لا تصدق علينا إلا ماوافق كتاب الله وسنة نبيه".
فالله بعث عيسى ابن مريم نبياً صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه الامام الجواد، وهذا كان جواب الامام الرضا لمن استصغر سن الامام. 1*.
وهكذا نستطيع أن نرد على الذي يعارض طول قضية غيبة الامام المهدي مثلاً، فهناك غيبات ذكرها القرآن، وسجلّتها صفحات التاريخ.
_ التجربة والاختبار:
وهي نقطة مهمة جداً، وهي من البراهين القوية لمجابهة أي شبهة أو فكرة، فعندما تسلم الامام الخلافة الحقيقية، توافدت الوفود من شتى الأقطار الاسلامية إلى المدينة المنورة لرؤية الامام ولحسم حيرتهم حول مناسبة سنه لمنصبه، وقد أجاب الامام عن أسئلتهم بنباغة وبلاغة عاليتين، وينقل أنه عندما كان ابن تسع سنين أجاب عن ثلاثين ألف مسألة. 2*
فعندما نشك في أمر ما، علينا التأكد والاختبار، عندما نسمع عن شخص مثلاً لديه أشياء خارقة للعادة نحبذ قبل أن نصدق، أن نذهب ونتأكد ونسأل لنتيقن.
_ الايمان بقدره الله:
وهذه من أهم النقاط، فالله الذي بيده خزائن السماوت والأرض، والتي جعلها بين الكاف والنون، أيعجزه أن يودع الامامة أو الحكمة أو أي ميزة أخرى في سن صغيرة أو كبيرة أو غير ذلك؟!
صحيح أننا نؤمن بنظام الأسباب، لكن رب الأسباب ومسببها قد يغير بعض المعادلات، وحري بمن يستغرب ذلك أن يراجع قوة ايمانه واعتقاده بصفات الله وأفعاله.
وكما قلنا تبقى هذه النقاط تعضد قاعدة أن الامامة تنصيب إلهي ولا يحق لنا الاعتراض أو حتى الحيرة والاستغراب.. وهي لاتمام الحجة بشكل أقوى لمن يرفض ذلك.
وفهم هذه القضية تساعدنا في التعامل مع الكثير من الأحداث اليومية والرد على شبهات كثيرة، ومنها مايتعلق بالامام المنتظر ومايدور حول محور وجوده وغيبته وظهوره.
ويبقى تصديق الكثير من الغيبيات والاعجازات الربانية محل اختبار لعقيدتنا وايماننا وإن كان العقل يرفض تحليل بعضها أو قبولها والتسليم بها.
فليس كل شيء يقاس بالمنطق، العقل قد يقف عند حدود معينة ويكون عاجزاً عن تفسير بعض الأحداث، فالقول الفصل في بعض الخلافات وبواطن الأمور التي تختلف عن ظاهرها، يعود أحياناً لكتاب الله وأحاديث نبيه وأهل بيته.
اضافةتعليق
التعليقات