غُرفةٌ وحسب، من أربعة جدران فقط، لا نافذة بها ولا تهوية، ألوانها ترابية غامقة، بلا أثاث ولا كماليات.
لا تدخلها يومياً، فقد دأبت على ترويض الملاك الأيمن لكتابة الحسنات مما ضاعف كسل الأيسر عن ذلك ولكنه بمجرد ما يرفع قلمه لتدوين أي هفوة وإن لم يكن ذنباً تدخل الغرفة القبر
وتأنب ذاتها تارة بالبكاء وتارة بالصمت، والملاذ بين هذه الجدران لساعات مع علمها بعدم إرتكابها معصية بل وإن كان تعدياً على العادات والتقاليد فقط..
استمر الوضع لأعوام على هذه الشاكلة وفي يوم ما إحتفائاً بملائكيتها أرادت أن تظهر أمر هذه التربية التأنيبية للملأ مما دعت إليه امرأة فاضلة من أهل العلم والدين، حين وصلتا لمدخل الغرفة وفُتح الباب إنسحبت منه المرأة قبل أن تدخل برغم سمو روحها هي ايضاً.. إلا أن المكان كان موحشاً خانقاً كلحدٍ دنيوي!.
وحين علمت المرأة الفاضلة بما فعلته الفتاة بنفسها قالت لها بهدوء صاخب: كان النبي (ص) عندما يدخل عليه رجل ويقول يا رسول الله إرتكبت معصية أقم عليّ الحد، يدير وجهه عنه وإن أعاد الرجل طلبه مرتين أو ثلاثة.
إن الله يعلم بضعف الانسان، لهذا إن إخطأ فهو غفار فاتحاً أبواب الإنابة له على الدوام.. وإن ما يفعله الناس مع مرتكب الذنب يضعه بورطة عمر. إذ ليس من الأخلاق أن يُؤشّر عليه بالأيدي وينادى عليه بالعاصي أو بالسارق أو الخ .. فذلك يحوّله لمجرمٍ عديم الإنسانية ويقتل به تقواه الحقيقية التي وُلدت معه وإنهم لا يغفرون لخطيئة البشر من أجل الصورة التي وضعوها للانسان المثالي والتي إن أوقعها لأي سبب كان نعاقبة من أجلنا أولاً ثم من أجله، مع علمنا بعدم أحقية الصورة المثالية للانسان ولا بصحتها إذ إن العصمة لم تثبت لجميع البشرية إلا النخبة التي إختارها الله تعالى وجعلها لنقتدي بها ونخطو خطاها وآدابها.
إننا لسنا ملائكة ولا شياطين بل بشر وحسب، لكننا وبحكم الدنيا أصبحنا محورا لأربع جهات؛ الدين في الشمال والأهل على الميمنة والمجتمع في الميسرة والعادات والتقاليد في الجنوب.. والبَشَريّ في ما بينهم يُوضَعُ معتصراً محاولاً للوقوف بعد كل وقعة ولطمة تفرضه عليه هذه الجهات الأربع، مع علمه بأن الأحقية فقط لجهة الدين وتعاليمه والبقية ليست إلا أصوات مزعجة تصكُّ السمع وتربط الأرجل عن التقدم!.
أمسَكَت بيدها ورمقتها بنظرة حادّة حانية كادت بأن تعانق روح الفتاة، قائلة؛ إنّ العقاب والحد وُضعا لمن يصرّون على الذنب والمعصية ويشهرون بهما ويشجعون الآخرين على إقترافها.. أما نحن المؤمنون وإن حدثت الزلة والهفوة نندم ونستغفر ولا نحول الأمر للتأنيب..
إن التأنيب مقبرة النفس والمراد بالإستغفار هو الندم على الذنب وعدم اقترافه ثانية لا التأنيب الذي يسحب بساط الثقة بالنفس من الإنسان ويجعله خاوياً من كل شيء ما عدا اليأس والحزن وعدم التقدم.
اضافةتعليق
التعليقات