في رحاب نهج البلاغة لا يكون لنا إلا أن ننهل من معين لاينضب فهو أكبر منهاج لحياة متكاملة، رصينة القواعد مليئة بكل ما شأنه أن يضعنا على سُلم النجاح..
في باب الحكم القصار إستوقفتني حكمته حين مدحه قومه فقال: ((اللهم إنك أعلم بما في نفسي وأنا اعلم بنفسي منهم اللهم اجعلنا احسن ممايظنون واغفر لنا مالايعلمون))..
درس تربوي في تربية النفس والحالة التي يجب أن تُنمى بها حيثُ يبين لنا كراهة المدح والوقوف عنده وعدم الأخذ به، فيقول المولى:
إن من همه رضا الله وحده لايهمه فيما يُقال عنه سواء أ كان مدحاً أو كان ذم!
مُبيناً لنا أن أي موقف يمر في هذه الحياة يجب أن نستلهم منه العبرة حتى نخرجُ منه بالغاية المطلوبة، ولهذا ردَّ الامام بهذا الرد مبيناً أن الهدف والغاية هي لله تعالى وحده وأنه بكله خالص لوجهه الكريم، وأن العمل إن كان له البقاء فلابد له أن يخضع لميزان الأخلاص لله فقط وعلى صاحبه أن يزرع في ذاته التواضع ويجعل نصب عينه رضا الله جل وعلا عنه فقط فهو الغاية السامية..
وفي حديث آخر له قال "من مدحك فقد ذبحك"، معنى صارمٌ جداً يحملُ بين جوانبه تنبيهاً حاداً وجاداً حين شبَّه المدح بالذبح؟.
لأن المذبوح يتوقف عن الحركة والعمل بل يتوقف عن كل مظهر من مظاهر الحياة وكذلك سيفعل الممدوح حين يفتر عن العمل والمُثابرة والأصرار ويرضى بما قدمه لأن الانسان المؤمن قد يأخذه المدح إلى جانب ثاني ينأى به عن جادة الصواب وتأخذه العزة.
ولهذا بيَّن لنا حين أُمتدح بقول"إنك أعلم بما في نفسي" فهي التربية التي يجب أن تربى بها أنفسنا فحين يتجلى للانسان هذا المعنى الدقيق سوف يكون الله رقيباً عليه وعلى كل تصرفاته وسيكون حذراً جداً لايغيب عنه الله جل وعلا في السر والعلن لأنه هو الغاية..
"وأنا أُعلم بنفسي منهم" وهذا المعنى هو مُلازم لقول الله تعالى في محكم كتابه "ان الانسان على نفسه بصيرة".
أي إن الانسان العالم بنفسه وما تخفيه العارف قدره كما في قوله صلوات الله عليه "رحم الله إمرءاً عرف قدر نفسه" سينشغل بنفسه وعمله عن كل مايقال عنه فإن كان خيراً كان له حافزاً للزيادة والإستمرارية وإن كان شراً انشغل بنفسه وعمل عليها وأبصر عيوبه وأصلحها، فلا تبطَّرهُ النعمة ولاتقنطه المصيبة..
اللهم إجعلنا أحسن مما يظنون
ثم ينتقل بعدها إلى لبنة مُهمة وركيزة أساسية في رحلة بناء الذات ألا وهو الدعاء حين يسأل الله جل وعلا ويلحُ فيه في أن يكون مصداق لما يقال فيه ويطلب منه المزيد من الخير والصلاح والثبات..
وإغفر لنا ما لايعلمون
ويختتم في بيان ضرورة طلب المؤمن للمغفرة والعفو من الله جل وعلا وأن يغفر له كل سيء صدر منه وهو الغفور الرحيم..
اضافةتعليق
التعليقات