لزينب عليها السلام حكاية مع الدهر والمصائب مجتمعة، دائما عندما نذكر هذه السيدة العظيمة نتجه الى المصائب والحزن، ولكن اليوم سوف اتجه لجزء من حياة سيدة احيت الدين بسبيها، سيدة لولاها لما كان لدين جدها من ذكر، سيدة احيت وحصدت ما زرعه اخيها بدمه وبدم اطفاله وأصحابه حيث حفظت هذا النهج بسبيها وبرؤيتها لأطفالها وأطفال اخيها مجزرين مقطعين في الفلوات، سيدة تعجب القوم بصبرها حتى عجز الصبر عن وصف صبرها، سيدة لم ولن يأتي التاريخ بمثلها ولا يجزي فضلا إلا امها الزهراء سلام الله عليها...
ومن الواضح أن المتصفح لتاريخ حياة السيدة زينب عليها السلام يجد فيها ما قد تواجد لأبيها علي عليه السلام فهي وريثته في البلاغة والفصاحة والشجاعة والصبر وغيرها من تلك الصفات العظيمة التي كان أمير المؤمنين يتصف بها, هذا من جانب ومن جانب آخر هناك خصوصيات لزينب هي نفس خصوصيات فاطمة الزهراء عليها السلام وهي:
1- الولاية والقدرة التكوينية حيث إشارت بيدها إلى الناس وهي في الكوفة فارتدَّت الأنفاس وسكنت الأجراس وهذا يدل على سيطرتها التكوينية على كلِّ شيء.
2-العلم اللدني الذي اكتسبته زينب عليها السلام من الإمام الحسين عليه السلام وهو علم الإمامة، قال عنها الإمام زين العابدين عليه السلام فقد كانت "عالمة غير معلمة" وقد ظهر كلّ شيء في خطبتها العظيمة في الكوفة والجدير بالذكر أن الزهراء عليها السلام أخذت ابنتها زينب إلى المسجد وخطبت الخطبة الفدكية وكانت زينب عليها السلام آن ذاك في السابعة من عمرها، فكيف استطاعت أن تحفظ الخطبة بأكملها وتنقلها إلى الآخرين حتى تصل إلينا؟ فلولا اتصالها بالغيب لما استطاعت زينب أن تنقل هذه الخطبة الغراء ذات المحتوى العميق!.
وكأن الزهراء عندما خطبت كانت تقول لزينب بلسان حالها أن اسمعي الخطبة جيدا لأنك أنت أيضا سوف تخطبين بنفس الأسلوب وأنت بالكوفة، وهذا ما حدث حيث خطبت زينب في الكوفة بنفس النمط كما هو واضح لكل من يتعمق في الخطبتين ويقايسهما معاً، وكأن الزهراء هي التي تكلمت في الكوفة فالعبارات متقاربة والنسق واحد.
ولكن هناك فرق كبير بين الموقفين:
فعندما دخلت الزهراء إلى المسجد وخطبت كانت تخاطب المهاجرين والأنصار والأرضية كانت مهيّأة لبنت رسول الله، أما زينب عليها السلام فكانت تعدُّ أسيرة فالمخاطبون هم أعدائها الذين قتلوا أولادها وأخوتها، ولكنها مع ذلك استطاعت أن تسيطر على المجلس سيطرة كاملة، ورغم أنه ينبغي للخطيب أن يمركز جميع مشاعره وحواسه ليتمكن من توضيح مقصوده إلا أن زينب عليها السلام وبعد تلك المصائب العظيمة استطاعت أن تتحدَّث وبكل شجاعة وصلابة، وهذا يدل على ارتباطها المعنوي بعالم الملكوت الأعلى كما كانت أمها الزهراء، فزينب عليها السلام رغم أنها كانت تلعنهم وتتهجم عليهم وتعاتبهم والمفروض أن ينفروا ويبتعدوا من خطابها إلا أنهم انقلبوا على ما كانوا عليه وخاطبوها بقولهم "والله إن شبابكم هو خير الشباب" كلُّ ذلك يدلُّ على قوة روحها سلام الله عليها فأنها عليها السلام قد ورثت أمها ليس في المصائب فحسب كلا أنما ورثتها بعلمها وتقواها وعبادتها ومواجهتها للظالمين بقلب صلد لا تهزه كثرة النائبات تلك هي زينب المرأة العظيمة.
وعندما نتطرق الى بحر علمها الواسع فأننا نقف عاجزين عن وصفه ولكننا ننهل قليل منه لتتزود منه أرواحنا المتعطشة لتلك العالمة الغير مُعلمة، فقد روي انها سألت أباها ذات يوم فقالت: اتحبنا يا ابتاه؟! فقال الامام: وكيف لا احبكم وانتم ثمرة فؤداي! فقالت: يا ابتاه ان الحب لله والشفقة لنا..
ونقرأ عن ذكاء هذه المرأه المقدسة: ان والدها اجلسها في حجره يوم كانت طفلة وبدأ يلاطفها وقال لها: بنية قولي واحد فقالت واحد.. قال: قولي اثنين...
فسكتت! فقال لها: تكلمي يا قرة عيني... فقالت: يا ابتاه ما اطيق ان اقول اثنين بلسان اجريته بالواحد... فضمها الى صدره وقبلها بين عينها...
وجاء في التاريخ ان جمعا من رجال الكوفة جاؤوا الى الامام امير المؤمنين عليه السلام وقالوا: ائذن لنسائنا كي يأتين الى ابنتك ويتعلمن منها معالم الدين وتفسير القرآن...
فاذن الامام لهم بذلك فبدأت السيدة زينب بتدريس النساء...
ويعلم الله عدد النساء المسلمات اللواتي كن يحضرن درس السيدة طيلة اربع سنوات او اكثر، وذات يوم دخل الامام امير المؤمنين عليه السلام الدار فسمع ابنته زينب تتحدث للنساء في درسها عن الحروف المقطعة في اوائل السور وعن بداية سورة مريم بشكل خاص...
وبعد انتهاءالدرس التقى الامام بابنته وقال لها: يا نور عيني اتعلمين ان هذه الحروف هي رمز لما سيجري عليك وعلى اخيك الحسين في ارض كربلاء، ثم بدأ يحدثها عن بعض تفاصيل تلك الفاجعة...
ويكفي في جلالة قدرها ونبالة شأنها ما ورد في بعض الاخبار من أنها دخلت على الحسين عليه السلام وكان يقرأ القرآن، فوضع القرآن على الارض وقام إجلالا لها.
سيدتي ماذا اقول وماذا اكتب وكيفما اتجهت الى قبلتك ارى كربلاء امامي بمصائبها فكنت اريد ان لا اذكرها في هذا المقال ولكن خانني ضميري واناملي الا ان اكتب عنك فكأنما اصابعي اتجهت تلقائيا نحو عزة وشرف كربلاء...
فكيف لا وهي عمدة بركنين الحسين وانتِ، عذرا فكيف ارى النور وأنت نور الكون باسم الحسين هتفتِ، سيدتي احرفي وكلماتي قد عاقتني عن الكتابة عنك وقد وقفت عاجزة على ساحل بحر مصائبك فموج المصائب غطى كيانك فلا ندري ماذا نقول وان قلنا عنك لا بد ان نذكر كربلائك...
اضافةتعليق
التعليقات