ذرية نبي الرحمة سبطا النبي اﻷكرم صلى الله عليه وآله وسلم، الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، أحبهما الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حباً جما، وطلب المودة لهم والتمسك بهم..
عن جعفر بن إياس، عن عبد الرحمن بن مسعود، عن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه حسن وحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه وهو يلثم هذا مرة ويلثم هذا مرة حتى إنتهى إلينا فقال له رجل: يارسول الله إنك تحبهما فقال: من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني" مسند أحمد، ح 9381.
سارا بسيرة جدهما، دافعا عن الاسلام، ورفضا الباطل، كلاهما لهما دور عظيم في حفظ رسالة الاسلام والدعوة لعبادة الرب الرحيم، تحملا الظلم واﻷذى في سبيل تبليغ أمره تعالى والدعوة إليه.
نعم، ظُلم مولانا الحسن المجتبى سبط الرسول - صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الكرام- في حياته وبعد استشهاده حتى دفنه عند جده لم يرضوا بذلك ورشقوا جنازته بالسهام..
عجباً، أهكذا تُحفظ حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!!
واليوم أيضاً يُظلم، نعم، عندما لا نسير بنهجه، عندما لا نتبع آثاره، ونخالف النهج القويم.
عندما نبتعد عنهم، عندما يكون حبنا لغيرهم وتمسكنا بالدنيا يفوق حبهم.
ضحى وقدم المولى عليه السلام، وكذا كل عترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان لهم دور مهم عظيم لا نستوعب مقامهم، وما قدموا، عقولنا تعجز عن بلوغ كنه معرفتهم، فكلٌ كان له تضحية بحسب زمنه وما أحاطه من ظروف ونفوس ضعيفة جاهلة..
لكن كانت مصيبة واحدة فاقت كل المصائب، ورزية عظمت على جميع الرزايا والخطوب.
حزن لها جميعهم وهان عليهم كل خطب ألمَّ بهم دونها.
استثناء عظيم، تضحية لا تُقارن، بَذلٌ لا يُقدر..
فهذا حسين بن علي العظيم، ضحى وقدم مالم تستوعبه العقول، مصيبته جَلَّت على أهل السماوات، حَزُن عليه الحجر والمدر، الملائكة ضجت بملكوتها، النبي وآله يندبونه ويبكونه الدهر.
رَوى إبن عساكر بإسناده عن إبن سيرين قال: لم تبكِ السَّماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلاّ على الحُسين بن علي، المصدر:(تاريخ مدينة دمشق ص٢٤١).
فأصبح ذكره وإقامة العزاء عليه والحزن والجزع لمصابه أيضاً مستثنى من القياس، فالعالم يضج لمصابه وللواقعة اﻷليمة.
رَوى إبن عساكر بإسناده عن خلاّد صاحب السمسم وكان ينزل ببني جحدر قال: حدثتني اُمي قالت: كُنا زماناً بعد مقتل الحُسين وإن الشمس تطلع محمرّة على الحيطان والجدران بالغداة والعشي قالت: وكانوا لا يرفعون حجراً إلاّ وجدوا تحته دماً. المصدر:(ترجمة الإمام الحُسين من تاريخ دمشق ص٢٤٢).
وأخرج الطبراني بسنده إلى ابن شهاب الزهري قال: «ما رفع بالشام حجر يوم قتل الحسين بن علي إلا عن دم، ". المعجم الكبير: 3/113، مكتبة ابن تيمية، القاهرة.
والنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته يُخبرون بمصابه الأليم ويتألمون عليه، رَوى محب الدين الطبري بإسناده عن أم سلمة قالت: رأيت رسول الله صلّى الله عليهِ وآله وسلّم وهو يمسح رأس الحُسين ويبكي فقلت:
مابكاؤك؟ فقال إن جبرئيل أخبرني أن إبني هذا يُقتل بأرض يُقال لها كربلاء قالت: ثم ناولني كفاً من تراب أحمر، وقال: إن هذا من تربة الأرض التي يُقتل بها، فمتى صار دماً فاعلمي أنه قد قتل قالت أم سلمة: فوضعت التراب في قارورة عندي وكنت أقول: إن يوماً يتحول فيه دماً لَيوم عظيم. المصدر:(ذخائر العقبى ص١٤٧).
نعم فمصابه لا يحتمله قلب ولا يستوعبه عقل، فمَنْ مثله وقد قُتل أمامه ولده واخوته وأصحابه، وعياله تأن من العطش واﻷلم، وقلبه يتفطر لهم ويُصبر نفسه ويقول: كله بعين الله.
من مثله يتقدم بطفله الرضيع ليسقيه ماءا، فيُقتل الطفل بين يديه، ويحتمل ويصبر من أجل اعلاء كلمة الحق. من مثله سحقته الخيول وقُطعت أوداجه وحُمل رأسه أمام عياله.
عن أبي قبيل، قال: لما قتل الحُسين إحتزوا رأسه وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ يتحيون بالرأس، فخرج إليهم قلم من حديد من حائط فكتب بسطر دم:
أترجو أمة قتلت حسيناً *شفاعة جده يوم الحساب* فهربوا وتركوا الرأس ثم رجعوا. المصدر: (مجمع الزوائد ج٩ ص١٩٩).
واقعة لا تتصور لا نستطيع فهم أو استيعاب ما جرى في عاشوراء، فقد كان ما تحيرت فيه العقول وما أبكى الحجر، لذا لا مقارنة لمصابه مع أي مصاب، ولا قياس للحزن عليه مع أي حزن.
فإنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أشعث أغبر لقتل الحسين (عليه السلام):
"أخرج أحمد في «المسند» بسندهِ إلى عمّار بن أبي عمّار عن ابن عباس قال: «رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلّم في المنام بنصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم يلتقطه أو يتتبع فيها شيئاً، قال: قلتُ يا رسول الله ما هذا؟
قال دم الحسين وأصحابه لم أزل أتتبعهم نذ اليوم قال عمّار: فحفظنا ذلك اليوم فوجدناه قتل في ذلك اليوم. مسند أحمد: 1/242 و283، دار صادر.
فما جرى عليه لم يجرِ على أحد، فلو الايام بكاملها انقضت بذكره والجزع عليه لما كفى، وهذا السبب ان عزاءه ليس ككل عزاء، والحزن لمصابه ليس ككل حزن، فعندما نستذكره ونتألم لمصابه فنحن بذلك نمضي بنهج النبي وآله باحياء مصابه والحزن عليه.
نعم فقد جعله تعالى استثناءاً، وأعطاه ما لم يعط غيره وخصه بما لم يخص به حتى جده اﻷكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يعني ذلك بأن له اﻷفضلية على النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم، لكن ما جرى عليه وما قدمه لم يكن لغيره، فقد أعطى الذي ملكت يداه إلهه حتى الجنين فداه كل جنين.
فمن أجل استنقاذ العباد من الجهل والضلال وهدايتهم، ضحى وقدم كل ما يملك وفدى نفسه وعياله في سبيله تعالى وسبيل هدايتنا لعبادته.
فكيف يُجازى لا تستكثروا شيئاً عليه، ولا تُقارنوا ذكره بذكر جده وأبيه وأخيه، سيروا بما ساروا، انتهجوا نهجهم، وأحيوا ذكر المولى أبي عبد الله الحسين عليه السلام وبينوا مظلوميته للعالم أجمع، اكشفوا الزيف والضلال.
فها هو المولى الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه برغم مصابه وآلامه، وكبده يتقطع وهو يجود بنفسه يتألم ﻷخيه ويبين ويقول:
لا يوم كيومك يا أبا عبد الله.
اضافةتعليق
التعليقات