ملكة فائقة الحسن والجمال شمائلها شبهت شمائل أبيها سيد القوم والملك الذي ساد الخلق والبلاد بحسن خلقه وشمائله البديعة، ميّزته السماء لما رأت تفوقه وعظمته من بين جميع الخلق أهدته هدية ثمينة جداً وعظيمة الشأن فكانت ابنة جليلة عظيمة بكل شيء فاقت نساء عصرها ونساء الكون أجمع، ورثت منه البيان والعظمة وحسن الخلق، تميزت بجمال فاتن فهي هدية السماء.
ترك والدها المُعظم أمرها كله للسماء، كانت علاقته بها علاقة مميزة ليست كأي علاقة أب بابنته، كان يرتاح لرؤيتها يشُم فيها عطر الجنة، كلما اغتم وتعب لجأ إليها لتُزاح همومه، كانت له كالأم الرؤوم الحنون.
عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكثر القُبل لفاطمة عليها السلام، فقالت له عائشة: يا نبي الله! انك لتُكثر تقبيل فاطمة.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ان جبرئيل عليه السلام ليلة أسري بي ادخلني الجنة واطعمني من جميع ثمار الجنة، فصار ماء في صلبي، فواقعت خديجة، فحملت خديجة بفاطمة، فاذا اشتقت الى تلك الثمار قبلت فاطمة. العوالم: 11/ 32، عن الروض الفائق.
تقدم لخطبتها منه أشراف القوم وسادات قومهم فلم يبت بأمرها ولم يُجب قبل أن يأتي الجواب من السماء، قال ابن أبي الحديد: وإن إنكاحه عليّاً إيّاها ما كان إلاّ بعد أن أنكحه الله تعالى إيّاها في السماء بشهادة الملائكة. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج9، ص193 في ترجمة عائشة.
وعن ابن مسعود، عن رسول الله أنه قال: "إن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي". الهيثمي، مجمع الزوائد، ج9، ص202.
امتازت عن الجميع حتى لم يكن لها كفؤ منهم إلا شخصاً واحداً اختارته السماء لها وأمرت بتزويجهما وعقدت لهما حفلاً ونثرت الورود واللؤلؤ فوق عرشها.
ففي رواية: "لو أنّ عليّاً لم يكن (لم يخلق)، لم يكن لفاطمة كفؤٌ". الكليني، الكافي، ج1، ص461 ــ الصدوق، الأمالي، المجلس86، ص474 ح 18 ــ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص 178 باب 42 ح 3 - الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ص146 و 148 ــ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج2، ص 29 ــ الاربلي، كشف الغمة، ج2، ص 98 .
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله: أيها الناس هذا علي بن أبي طالب، أنتم تزعمون أنني أنا زوجته ابنتي فاطمة، ولقد خطبها إلي أشراف قريش فلم أجب كل ذلك، أتوقع الخبر من السماء، حتى جاءني جبرائيل عليه السلام ليلة أربع وعشرين من شهر رمضان فقال: يا محمد العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، وقد جمع الروحانيين والكروبيين في واد يقال له الأفيح تحت شجرة طوبى، وزوج فاطمة علياً، وأمرني فكنت الخاطب، والله تعالى الولي، وأمر شجرة طوبى فحملت الحلي والحلل والدر والياقوت ثم نثرته، وأمر الحور العين اجتمعن فلقطن، فهن يتهادينه إلى يوم القيامة ويقلن: هذا نثار فاطمة. كفاية الطالب: الباب 79، ص300.
كان مهرها شيئاً بسيطاً فقيمة المرء لا تقاس بالمادة إنما كان مهراً محدداً لتوفير احتياجات الزواج والسكن الجديد، فرغم عظم قدرها وشأنها لكنها ليست كنساء الكون انها ملكوتية تؤثر رضا الإله وتسير بسنة أبيها العظيم محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – ونهجه، فلم يهمها بهارج الدنيا وزينتها.
كان زواجاً سهلاً مُيَّسراً مباركاً، لزوجين لا تعرف الدنيا لقلبهما طريقاً، وأما جهازها فأثاث زواجهما كان: قطيفة، وقِرْبَة، ووسادة من جلد حشوها ليف أو نبات، فعن علي عليه السلام قال: (جهَّز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة في خميل (قطيفة)، وقِرْبة، ووسادة أدم (جلد) حشوها إذخر (نبات رائحته طيبة). رواه أحمد.
أصبحت هذه الأسرة نموذجاً لكل من يريد أن يُكون أسرة صالحة سعيدة يسودها الحب والاستقرار والاطمئنان والمودة.
ودروسٌ وعبر لمن يُقدِم على تكوين الأسرة المثالية ويبغي جعل زواجه ناجحاً سعيداً.
جمعهما الحب والتفاهم والايثار والتعاون والتضحية ورغم كل التعب الذي قد مروا به إلا ان أحدهم لم يشتكِ ما قد بذله وقدمه من أجل راحة الآخر، لم تدخل الأنانية من بابهم ولا كان للتذمر مكان في بيتهم.
لم تُثقل كاهل زوجها حتى وإن بقيت بلا طعام، لم تكن تود أن تزيد تعبه بل كانت تُفكر به وبراحته قبل أن تفكر بنفسها، أعطت وضحَّت وسندت زوجها رغم كل الصعاب حتى انه كان ليرتاح وتنزاح همومه وتعبه فقط عند النظر لوجهها الزاهر.
فقد عبر عن ذلك بقوله عليه السلام: “كنتُ اذا نظرت الى فاطمة تنزاح عني هموم الدنيا وغمومها”.
فكانت نِعمَ البنت والزوجة والأم، فهي القدوة الحسنة لنساء الكون، فمن أرادت السعادة الزوجية فلتتعلم من الملكة الحسناء فاطمة الزهراء سلام الله عليها ابنة الملك العظيم محمد – صلى الله عليه وآله وسلم - وزوجة وليه وخليفته المُعظم علي سيد الوصيين صلوات الله وسلامه عليه.
وهو عليه السلام أيضاً لم تجد مثله سنداً لها وحبيباً ليس كأي حبيب فاق الخلائق بحنانه ورعايته، مع عمله الشاق خارج البيت قسَّم اشغال البيت بينهما، عرف قدرها وعظمتها فكانت ملكة تزهر في بيتها وتزداد تألقاً.
لم يكن التوقع موجود في بيتهم بحيث لم يتوقع أحدهم من الآخر أن يقدم ما لايطيق.
عاشوا بالقناعة والرضا، تعاونوا على عناية أولادهم، فأنجبوا عظماء سادوا الخلائق بعظمتهم ورقيهم ملوك في السماء والأرض حيث تحتفي السماء بذكرهم وتتفاخر بهم.
سادوا الخلق بخلقهم العظيم وحبهم العظيم للرب العظيم فأصبحوا سادة الخلق وملوكهم.
اضافةتعليق
التعليقات