• الرئيسية
  • كل المواضيع
  • الاتصال بنا
facebook twitter instagram telegram
بشرى حياة
☰
  • اسلاميات
  • حقوق
  • علاقات زوجية
  • تطوير
  • ثقافة
  • اعلام
  • منوعات
  • صحة وعلوم
  • تربية
  • خواطر

في ضيافة أنيس النفوس

هدى المفرجي / الأربعاء 07 آيار 2025 / اسلاميات / 326
شارك الموضوع :

من زار الرضا (عليه السلام) عارفاً بحقه، فقد وجد كنزَ الدنيا والآخرة، فهو حبيبُ القلوب وسيدُ العارفين

كان الظلام ينسحبُ من سماء كربلاء كستارةٍ، والليلُ ينحني خجلاً أمام قدوم الفجر، لكن هذا الفجر لم يكن فجراً عادياً، بل كان بزوغَ نورٍ من عالم الغيب، نورٍ يُنادي الروح قبل الجسد. خطوتُ باتجاه المشرق، وكأنما الأرضُ تقلّني على أجنحة الشوق، وقلبي يُنازع بين الخوف واللهفة، بين هيبة المنتظر ولهفة الواصل. لم أكن أعلم أن تلك الخطوات ستقودني إلى حرم تُسبّح جدرانه، وتتنزّل فيه الرحمة كالمطر على الأرواح العطشى.

توقفتُ عند أبواب المدينة المقدسة، فاستقبلني عطرٌ لم تُدركه أنفاسُ البشر، كأنه نسمةٌ من فردوسٍ خفي، يملأُ الروحَ ويغسل الذنوب قبل الأجساد. شممتهُ، فذابت همومي، وتذكّرتُ كل دمعةٍ سقطت في محرابي، وكل دعوة خرجت من أعماق قلبٍ منكسر. هنا، عند باب الإمام الرضا (عليه السلام)، تُحَطُّ الأثقال، وتُرفَع الأكفُّ بخشوع، وكأنما الحرمُ ينطق: "أهلاً وسهلاً بزائرٍ يحبنا ونحبّه".

دخلتُ الحرمَ المطهر، فإذا النورُ يغمر كلَّ شيء، نورٌ ليس من شمسٍ ولا قمر، بل هو نورٌ من نور الله، نورُ وليٍّ أذِن له ربُّه أن يكون ملاذ العباد. نظرتُ إلى القبةِ الشريفة، وسقطت دموعي حروفاً من حكاياتٍ طويلةٍ من الشوق، وكأنما الإمام (عليه السلام) يمسحُ على جبيني ويقول: "كفاك حُزناً، لقد وصلت!". ثم جلستُ في زاويةٍ من زوايا الحرم، أسمع همسات الزائرين، كلهم يبكون ويشتكون، وكلهم يعلمون أنهم عند مَن لا يردُّ أحداً، يناجون: "يا غياثَ المستغيثين"، "يا بابَ الله المفتوح"، وصلواتٌ تتعالى، وأدعيةٌ تُرفع، وكأن الأجواء كلها ترتجف بين يدي الحبيب. الزمنُ هنا يتوقف، والدنيا تذوبُ كسراب، فلا وجودَ إلا لهذا المقام، ولا صوتَ إلا صوتُ القلبِ المنكسر بين يدي الإمام.

لم أدرِ متى غلبتني عيناي، ولكني صحوتُ على أذان الفجر، وأنا في فراشي، كأنما الرحلة كلها كانت حلماً، لكن العطرَ الإلهي ما زال يُحيط بي، ودفء تلك اللحظات ما زال يغمر روحي. فأدركتُ أنها لم تكن رؤيا، بل كانت زيارةً من نور، أو هي إجابةٌ لدعوةٍ قديمةٍ من القلب: "يا رب، أرِني وجهَ حبيبك".

واليوم، وأنا أكتبُ هذه الكلمات، أعلمُ أن قلبي لم يَعُد ملكي، فلقد تركتُه هناك، عند الضريح المقدس، بين يدي قول الإمام الكاظم (عليه السلام): "مَن زاره أو بات عنده ليلة، كان كمن زار الله في عرشه". فزيارةُ الإمام الرضا (عليه السلام) ليست مجرد سفرٍ للأجساد، بل هي رحلةُ الأرواح إلى بيتها، لقاءٌ مع حبٍّ لا ينتهي، ونورٍ لا يغيب.

فيا من تبحث عن الأمان في زمنِ الخوف، ويا من تئنّ من وحشة الدنيا، ائتِ حرمَ الرضا (عليه السلام)، فما من خائفٍ أتاه إلا وآمنه، ولا مكسورٍ إلا جَبَره، ولا تائبٍ إلا احتضنه. هو بابُ الله الذي لا يُغلق، وهو غياثُ مَن لا غياث له، في زمنٍ تطغى فيه الماديات وتغيب فيه القيم. لتبقى سيرةُ الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) شمعةً تضيء دروبَ المحبة والحكمة، وتُذكّرنا بأن العظمة الحقيقية ليست في السلطة أو الجاه، بل في الإيمان العميق، والعطاء اللامحدود، والصبر الذي يبلغ عنان السماء.

فكيف لا يكون سفيرَ المحبة، وهو الذي فتح قلبه للخلق جميعاً، يعلمهم، يرشدهم، ويخفف آلامهم؟ فلقد جسّد اسمَه حقيقةً عظيمة: أن الرضا ليس مجرد قبولٍ بالأمر الواقع، بل هو حالةٌ من اليقين بأن كلَّ شيء بقدر، وأن العبودية لله هي أعلى مراتب الحرية.

فقد كان الإمام الرضا (عليه السلام) كالغيثِ الذي ينزل على أرضٍ قاحلة، يروي العقولَ بالعلم، والقلوبَ بالإيمان، ويهدي النفوسَ الحائرة، رغم أن حياته كانت سلسلةً من التحديات والمحن، من الظلم السياسي الذي تعرّض له، إلى محاولات تهميشه وإبعاده عن دوره القيادي، وصولاً إلى اغتياله المأساوي بالسم. لكنه، في كل هذه المحن، كان المثالَ الأعلى للصابر الشاكر، الذي لا يجزع، ولا ييأس، بل يتحول ألمه إلى نورٍ يهدي الأجيال.

فإنْ سألتَني: كيف عدتَ منه؟

سأقول: عدتُ بقلبٍ جديد، وروحٍ تُنادي:

"لقد رأيتُ النور، فلا أعودُ إلى الظلام".

فمن زار الرضا (عليه السلام) عارفاً بحقه، فقد وجد كنزَ الدنيا والآخرة، فهو حبيبُ القلوب وسيدُ العارفين. فمن يبحث عن الأمان في زمن القلق، وعن النور في ظلمات الحياة، فها هي مدرسة الإمام الرضا (عليه السلام) تُعلّم القلوبَ كيف تُحب، وتُربّي الأرواحَ على التقوى والعرفان. فالإمام الذي تُسبّح الأرضُ له، لم يكن إماماً عادياً، بل كان مظهراً لأسماء الله الحسنى. فمن نظر إليه بتعظيمٍ رأى في سَمْته هيبةَ الأنبياء، وفي عينيه رحمةَ الأولياء، وكان إذا ذُكر اللهُ ارتعدت فرائصُه، وإذا توضّأ اصفرّ لونُه من خشية الله. لذلك كان هو بابَ الله الذي لا يُغلق، فسمّي "غياثَ المستغيثين"، لأن كل ملهوفٍ ناداه وجده أمامه، وكل مكروبٍ استجار به أزال اللهُ كربه.

وقد قال الإمام الجواد (عليه السلام) عن أبيه الرضا: "ما زار أبي أحدٌ فأصابه أذًى من مطر أو برد أو حرّ، إلا حرّم الله جسده على النار".

فسلامٌ على أنيس النفوس ومنقذها من ضلالة الفكر وضياع النفس، سلامٌ على سلطان الأولياء وقرةِ عين المؤمنين، سلامٌ على من قيل فيه:

هذي فضائلُه كالشمسِ طالعةً

لم يعشُ عن ضوئِها إلا الذي تاها

فإنّه من كرامٍ طاهرين، لقد

صفّى ذواتَهمُ الباري وزكّاها

وإنهم فُلكُ نوحٍ فاز راكبُها

وخابَ تاركُها، والنارُ يصلاها.

الامام الرضا
اهل البيت
الحب
الشيعة
الايمان
شارك الموضوع :

اضافةتعليق

    تمت الاضافة بنجاح

    التعليقات

    آخر الاضافات

    أهمية متسلسلة "فوريير" في التكنولوجيا

    كيف أصبح "شات جي بي تي" مرجعاً لحياتنا؟

    7 نساء يشاركن نصائحهن للتعامل مع أعراض انقطاع الطمث

    السم الأبيض؟ أسباب تجعل السكر خطرا على صحتك

    صخب المبالغة: مأساةٌ وجودية!

    الاختيار السليم وعلاقته بالتوافق الزواجي

    آخر القراءات

    دراسات تكشف خطورة رضاعات الأطفال

    النشر : السبت 24 تشرين الاول 2020
    اخر قراءة : منذ 16 ثانية

    معالجة الضغوط والتعايش مع أحداث الحياة

    النشر : الأربعاء 06 آذار 2019
    اخر قراءة : منذ 18 ثانية

    الرقابة الذاتية: الحل لإنقاذ تآلفنا مع الشر.. السينما والأفلام إنموذجًا

    النشر : الأحد 23 شباط 2025
    اخر قراءة : منذ 22 ثانية

    مسابقة القرب المهدوي

    النشر : السبت 21 آيار 2016
    اخر قراءة : منذ 23 ثانية

    اكسير الحياة وكيمياءُ الروح

    النشر : السبت 15 شباط 2025
    اخر قراءة : منذ 36 ثانية

    من كربلاء إلى النجوم... طفل السبع سنوات يخطف المركز الأول مناصفة في الحساب الذهني ببراءة عبقرية

    النشر : الأحد 27 نيسان 2025
    اخر قراءة : منذ 36 ثانية

    الأكثر قراءة

    • اسبوع
    • شهر

    حوار مع حسين المعموري: "التعايش السلمي رسالة شبابية.. والخطابة سلاحنا لبناء مجتمع واع"

    • 817 مشاهدات

    شوكولاتة صُنعت في دول غربية!

    • 387 مشاهدات

    الهندسة الخفية لتعفين العقل

    • 329 مشاهدات

    أنفاس الرضا

    • 314 مشاهدات

    بماذا يؤمن أتباع "الكارما" وما علاقة الكون والأشرار فيه؟

    • 304 مشاهدات

    الإمام الرضا: حارس العقيدة ومجدد الوعي في وجه الانحراف الفكري

    • 296 مشاهدات

    مهرجان الزهور في كربلاء.. إرثٌ يُزهِر وفرحٌ يعانق السماء

    • 2300 مشاهدات

    يوم الكتاب العالمي: إشعال شموس المعرفة بين الأجيال وبناء جسور الحضارات

    • 1322 مشاهدات

    من كربلاء إلى النجوم... طفل السبع سنوات يخطف المركز الأول مناصفة في الحساب الذهني ببراءة عبقرية

    • 1300 مشاهدات

    جعفر الصادق: استشهاد نور العلم في وجه الظلام

    • 1175 مشاهدات

    إنتاج الرقائق.. بترول الحرب العالمية الثالثة

    • 830 مشاهدات

    الحسد في كلام الإمام الصادق

    • 819 مشاهدات

    facebook

    Tweets
    صحيفة الكترونية اجتماعية ثقافية بادارة جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية

    الأبواب

    • اسلاميات
    • حقوق
    • علاقات زوجية
    • تطوير
    • ثقافة
    • اعلام
    • منوعات
    • صحة وعلوم
    • تربية
    • خواطر

    اهم المواضيع

    أهمية متسلسلة "فوريير" في التكنولوجيا
    • منذ 6 ساعة
    كيف أصبح "شات جي بي تي" مرجعاً لحياتنا؟
    • منذ 6 ساعة
    7 نساء يشاركن نصائحهن للتعامل مع أعراض انقطاع الطمث
    • منذ 6 ساعة
    السم الأبيض؟ أسباب تجعل السكر خطرا على صحتك
    • منذ 6 ساعة

    0

    المشاهدات

    0

    المواضيع

    اخر الاضافات
    راسلونا
    Copyrights © 1999 All Rights Reserved by annabaa @ 2025
    2025 @ بشرى حياة