كثرت روايات وأخبار العترة وأهل البيان والعلم والفهم عن ذكر مقامات ومنازل فاطمة أم أبيها، الصديقة الكبرى، الرضية ، المرضية ، المحدثة ، المنصورة ، السماوية الحانية في السماء ، ومن أروع وأجمل ما قيل فيها وفي تسميتها بفاطمة : قال علي أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه): -إنما سميت فاطمة لأن الله فطم من أحبها عن النار.
وفي نص آخر -فطمت من الشر ويقال إنما سميت فاطمة لأنها فطمت عن الطمث. فهي البتول كما أخبر بذلك النبي (صلى الله عليه وآله) التي لم تر حمرة قط ولم تحض فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء.
وروي الصدوق عن أبي الحسن الرضا (صلوات الله وسلامه عليه) في حديث، قال: كانت فاطمة إذا طلع هلال شهر رمضان يغلب نورها الهلال، ويخفى، فإذا غابت عنه ظهر . بحار الأنوار ج43 ص56, عن فضائل الأشهر الثلاثة للصدوق ص99، بيت الأحزان ص25.
وعن أبو هاشم العسكري: سألت صاحب العسكر (صلوات الله وسلامه عليه) لم سميت فاطمة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها) عليها ؟ فقال: كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) من أول النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير وعند غروب الشمس كالكوكب الدري.
ومن جميل ما نُقل أيضًا عن الإمام الصادق (صلوات الله وسلامه عليه) قال : سمّيت الزهراء ، لأنّ لها في الجنّة قبّة من ياقوتة حمراء ، ارتفاعها في الهواء مسيرة سنة، معلّقة بقدرة الجبّار لا علاقة لها من فوقها ، فتمسكها ، ولا دعامة لها من تحتها ، فتلزمها ، لها مائة ألف باب على كل باب ألف من الملائكة ، يراها أهل الجنّة كما يرى أحدكم الكوكب الدرّي الزاهر في أفق السماء فيقولون هذه الزهراء فاطمة (صلوات الله عليها) . البحار : ج43 ص56 ، وعلل الشرائع للصدوق .البحار : ج43 ص16.
أراد الله تعالى ان يعّرف ملائكته بنور وعظمة فاطمة فخلق لها في العرش نورًا كالقنديل أضاءت به السماوات والأرضون ، فسبحت وقدست الملائكة لأجله، فجعل الله ثواب ذلك لمحبي فاطمة، وأوضح ذلك في تلك الرواية التي نُقلت عن سلمان المحمدي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما سأله العباس بن عبد المطلب قائلًا : يا رسول الله بما فضل الله علينا أهل البيت علي بن أبي طالب والمعادن واحدة، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إذن أخبرك يا عم إن الله خلقني وخلق عليًا ولا سماء ولا أرض ولا جنة ولا نار ولا لوح ولا قلم. فلما أراد الله عزَّ وجلَّ بدو خلقنا تكلم بكلمة فكانت نورًا ثم تكلم كلمة ثانية فكانت روحا فمزج فيما بينهما واعتدلا فخلقني وعليا منهما ثم فتق من نوري نور العرش فأنا أجل من العرش ثم فتق من نور علي نور السماوات فعلي أجل من السماوات ثم فتق من نور الحسن نور الشمس ومن نور الحسين نور القمر فهما أجل من الشمس والقمر.
وكانت الملائكة تسبح الله تعالى وتقول في تسبيحها: سبوح قدوس من أنوار ما أكرمها على الله تعالى، فلما أراد الله تعالى أن يبلوا الملائكة أرسل عليهم سحابا من ظلمة وكانت الملائكة لا تنظر أولها من آخرها ولا آخرها من أولها فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا منذ خلقتنا ما رأينا مثل ما نحن فيه، فنسألك بحق هذه الأنوار إلا ما كشفت عنا فقال الله عزَّ وجلَّ: وعزتي وجلالي لأفعلن فخلق نور فاطمة الزهراء (صلوات الله وسلامه عليها) يومئذ كالقنديل وعلقه في قرط العرش فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع، من أجل ذلك سميت فاطمة الزهراء.
وكانت الملائكة تسبح الله وتقدسه فقال الله: وعزتي وجلالي لأجعلن ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها قال سلمان: فخرج العباس فلقيه علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه) فضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه، وقال: بأبي عترة المصطفى من أهل بيت ما أكرمكم على الله تعالى.
ولا عجب لمن ملكت تلك المنازل والفضائل العُلى أن تُطأطأ لها جميع رؤوس الخلق في الآخرة في ساحة المحشر يوم القيامة، وأن تشفع بشفاعتها العظمى لكل من أعطى الولاية لبعلها علي و نصر ولدها، بشهادة قول إمامنا علي السجاد (صلوات الله وسلامه عليه) قال: إذا كان يومُ القيامةِ نادى مُنادٍ {يا عبادِ لا خوفٌ عليكم اليومَ ولا أنتم تحزنون} فإذا قالها لم يبقَ أحدٌ إلّا رفع رأسه، فإذا قال: {الذين آمنوا بآياتِنا وكانوا مُسلمين} لم يبقَ أحدٌ إلّا طأطأ رأسه إلّا المسلمين المُحبّين -الذين سلّموا لعليٍّ وآل علي- ثمّ ينادي مُنادٍ: هذه فاطمةُ بنت محمّدٍ تمرُّ بكم هي ومَن معها إلى الجنّة، فطأطِؤا رُؤوسَكم، فلا يبقى أحدٌ إلّا طأطأ رأسَهُ حتّى تمُرَّ فاطمةُ ومَن معها إلى الجنّة. ثمّ يُرسلُ اللهُ إليها مَلَكاً فيقول: يا فاطمة سَلي حاجتكِ، فتقول: يا ربّ حاجتي أن تغفرَ لمَن نصرَ ولدي. تفسير الفرات.
فقد وردَ في حديثِ العترةِ أنّها تشفعُ لشيعتِها ولشيعةِ وُلْدها ومُحبّيها حتّى يتعلّقَ بأهدابِ مَرطِها الشريف أكثرُ مِن ألف فئامٍ وألفِ فئامٍ مِن الناس!، والفئام مئة ألفٍ كما يقال.
فلا عجب بعدئذ أن جعل رضاها من رضا الله تعالى، ومن وصلها وسرّها وأرضاها فقد أرضى الله ورسوله، ومَن جفاها وآذاها وقطعها فقد آذى االله ورسوله، فهي البضعة من رسول الله، وروحه التي بين جنبيه، كما جاء في زيارتها (صلوات الله وسلامه عليها) (أُشهِدُ الله ورُسُله وملائكته أنّي راضٍ عمَّن رضيتِ عنه، ساخطٌ على مَن سخطتِ عليه، مُتبرّىء مِمَّن تبرأتِ منه، موالٍ لمَن واليتِ، معادٍ لمَن عاديتِ، مبغضٌ لمن أبغضتِ، مُحبٌّ لمَن أحببتِ).
فمن أنتِ يا فاطمة .. وسبحان من خلقكِ وسواكِ وتبًا لليد الخؤون التي تجرأت عليك وعلى نسلك الطاهر . اليس أبوك من قال ( يوماً إنَّ: أَعْلَى دَرَجَاتِ الجَنَّةِ لِمَنْ أَحَبَّنَا بِقَلْبِهِ، وَنَصَرَنَا بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ… وَفِي أَسْفَلِ دَرْكٍ مِنَ النَّارِ مَنْ أَبْغَضَنَا بِقَلْبِهِ، وَأَعَانَ عَلَيْنَا بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ (المحاسن ج1 ص153).
صدق المولى عزَّ شأنه حينما قال: {وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ}121هود /{ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }83 القصص.
اضافةتعليق
التعليقات